للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مفتخرا: «المكثر يقول إنّي قتلت من أهل صقلية وأهلكت ألف ألف، والمقلل يقول ستمائة ألف». وكان حريا بالقائم أن ينزل به عقابا صارما، ولكن بدلا من ذلك أخرجه إلى مدينة القيروان سنة ٣٣٣ فى ألف فارس لقتال أبى يزيد الصّفرى فى القيروان، فحاصره أبو يزيد فيها واعتقله وسفك دمه وصلبه. وأنشد له ابن الأبار قصيدة ومقطوعتين فى مديح المهدى الفاطمى وابنه القائم، وكأنما كان يقف شعره على مديحهما زلفى وتقربا إليهما، والقصيدة فى مديح عبيد الله المهدى نظمها على شاكلة قصيدة مشهورة لمروان ابن أبى حفصة صاغها فى مديح المهدى الخليفة العباسى، بدأها مثله بالتشبيب وبكاء الأطلال والديار قائلا:

قف بالمنازل واسألن أطلالها ... ماذا يضيرك إن أردت سؤالها

هل أنت أول من بكى فى دمنة ... درست وغيّرت الحوادث حالها (١)

يا دار زينب هل تردّين البكا ... عن مقلة سفحت عليك سجالها (٢)

بدّلت بالإنس الخرائد كالدّمى ... وحش الفلاة ظباءها ورئالها (٣)

ولقد عهدت لآل زينب حبرة ... فيها ودنيا أقبلت إقبالها (٤)

بيضاء ناعمة يجول وشاحها ... وتهزّ دقّة خصرها أكفالها (٥)

ولها قوام كالقضيب وفوقه ... جعد تصافح كفّه خلخالها (٦)

وكأنّ فى فيها بعيد رقادها ... عسلا أصاب من السماء زلالها (٧)

ولقد عصيت عواذلى فى حبّها ... والنّفس تعصى فى الهوى عذّالها

والأبيات تسيل عذوبة، إذ عرف خليل بن إسحاق كيف يصطفى لها الألفاظ وكيف يلائم بين جرسها، مع حلاوة الصوت، ومع تشابك الكلمات فى كل بيت، وكأن كل كلمة لبّت قرينتها، واستجابت لصاحبتها وجارتها، وحقا الصور فى الأبيات ألمّ بها الشعراء أو طالما ألمّ بها الشعراء قبله، غير أنه أعاد عرضها عرضا يستهويك بصياغته وما يبث فيه من الجناسات والطباقات.

ويخرج إلى المديح منشدا:

صلّى الإله على النبىّ محمّد ... وعلى الإمام وزاده أمثالها


(١) الدمنة: آثار بالدار.
(٢) السجال جمع سجل: الدلو المملوءة.
(٣) الخرائد جمع خريدة: اللؤلؤة والمرأة الجميلة. الدمى: جمع دمية: التمثال الجميل. الرئال جمع رأل: فرخ النعام.
(٤) حبرة: مسرّة.
(٥) أكفالها جمع كفل: عجز الإنسان.
(٦) جعد يريد الشعر وضفائره.
(٧) الزلال: الماء العذب الصافى.

<<  <  ج: ص:  >  >>