وكنيسة روما الكاثوليكية. وكان فى القطر التونسى-حين الفتح-مسيحيون كثيرون، إذ كانت الجاليات والحاميات الرومانية مسيحية، وكانت روما قد نشرتها قبل الفتح فى بقايا السلالات القرطاجية وبين البربر، واعتنقها كثيرون من الشعب البربرى فى المدن لما رأوا فيها من الدعوة إلى المساواة والعدل الذى لا تصلح حياة الشعوب بدونه، غير أنهم عادوا فوجدوها دين حكامهم من الرومان الذين يظلمونهم ظلما فادحا فى الضرائب وغير الضرائب، فانصرفوا عنها إلا قليلا منهم، ومع ذلك ظل قساوسة الكنيسة الرومانية الكاثوليكية يدعون لها، وتغلغلوا بدعوتهم حتى بلاد الجريد التى كانوا يسمونها قسطيلية. وبعد الفتح العربى أخذ كثيرون من هؤلاء المسيحيين يدخلون فى الدين الحنيف طواعية، وبدون أى إكراه، لبساطته ولتحريره الشعوب من كل عبودية ومن كل ظلم مع محوه لجميع الحواجز الطبقية والاجتماعية بين أفراد الأمة، فهم جميعا متساوون فى كل الحقوق وكل الواجبات، وبذلك نفهم كيف أوشك الإسلام فى القرن الأول الهجرى أن يقضى على المسيحية قضاء مبرما فى القطر التونسى مع أن العرب طوال هذا القرن وبعده رخصوا للمسيحيين التونسيين تجديد كنائسهم وتركوا لهم منتهى الحرية فى إقامة طقوسهم وشعائرهم الدينية. ولولا أن عناصر مسيحية ظلت تنزل البلاد من وقت لآخر لا نمحت المسيحية من القطر التونسى-أمام المد الإسلامى-محوا تاما، وأول ما كان من ذلك استقدام حسان بن النعمان (٧١ - ٨٥ هـ) ألف أسرة قبطية للمساعدة فى إنشاء دار الصناعة بتونس، وبذلك ظلت الكنيسة الأورثوذكسية حية فى القطر التونسى. ويجلب إبراهيم بن الأغلب آلافا من الصقالبة لحرسه، وجلب حفيده إبراهيم بن أحمد رهبانا من صقلية للمساعدة فى الترجمة بدار الحكمة التى أسسها، مما أتاح للكنيسة الكاثوليكية أن تظل حية هى الأخرى، ويجلب العبيديون بدورهم صقالبة وصقليين، ويقول الأستاذ حسن حسنى عبد الوهاب إن المسيحيين وفدوا بكثرة فى عهد الدولة الصنهاجية، وخاصة أن أمهات بعض حكامها كن مسيحيات ويتمتعن بحريتهن الدينية. وكانت فى تونس حارة خاصة بالمسيحيين ومقبرة أيضا خاصة بهم وكنيسة يقيمون فيها شعائرهم، وأخذوا يتكاثرون حين عظم نشاط أمراء البحر العثمانيين وكانوا أسرى حقا، ولكن الدايات كانوا يساعدونهم فى أداء شعائرهم الدينية، ويدل على كثرتهم حينئذ ما يقال من أن مراد باى قبل أن يتولى الولاية سنة ١٠٢٢ هـ/١٦١٤ م حين كان أميرا للبحر جلب لتونس فى إحدى المرات اثنى عشر ألف أسير أوربى مسيحى.
ويأخذ البربر فى اعتناق الإسلام منذ فتح عبد الله بن سعد بن أبى سرح القطر التونسى سنة ٢٧ للهجرة، واستقر العرب فى بعض مدنه وأنحائه، ولم يكن العرب غزاة فاتحين فقط بل كانوا يعدون أنفسهم-قبل كل شئ-ناشرين للإسلام وهداه فى أطباق الأرض، وما نصل إلى عهد حسان بن النعمان (٧١ - ٨٥ هـ) حتى نجد فى جيشه كتيبة بربرية كبيرة تبلغ اثنى