عشر ألفا كما يقول ابن عذارى تشترك فى فتوحه وجهاده فى سبيل الله. وهى رمز قوى لاندماج البربر فى الإسلام، فإنهم لم يسلموا فحسب بل أصبحوا من دعاة الإسلام وحماته، وقد اشتركوا بقوة فى جيش طارق بن زياد الفاتح لإيبيريا، ونفس القائد: طارق كان بربريا، وولاه موسى بن نصير والى إفريقية بعد حسان على طنجة، ثم كلفه بفتح إيبيريا سنة ٩٢ هـ/٧١١ م وأخذت انتصاراته تتوالى، واستمد موسى بن نصير، فلحق به على رأس جيش مزيج من العرب والبربر وتم لهما اكتمال الفتح المبين.
ومعنى ذلك أننا لا نصل إلى الربع الأخير من القرن الأول الهجرى، حتى يصبح البربر لا فى القطر التونسى وحده، بل فى جميع بلاد المغرب شعبا إسلاميا لا يؤدى شعائر الإسلام وفروضه الدينية فقط، بل أيضا يعمل على نصرة الإسلام ونشره لا فى ربوع المغرب وجباله الوعرة وصحاريه المترامية فحسب، بل أيضا فى إيبيريا بأوربا، وهو ما أذهل جماعة المؤرخين والمستشرقين الغربيين، فإن الرومان ظلوا يحتلون البربر قرونا متطاولة وظلوا يحاولون نشر المسيحية فى ديارهم، ولم يجدوا بينهم آذانا صاغية، وما هى إلا أن يغزوهم العرب، وإذا هم يفتحون أذرعتهم وأفئدتهم للإسلام، فيصبحون فى نحو نصف قرن شعبا إسلاميا، إذ وجدوا الإسلام يحررهم من الظلم والاستعباد اللذين طالما ذاقوهما فى حكم البيزنطيين والرومان تحت ظل المسيحية سوى ما تحمله تعاليمه للشعوب من العدالة بين الناس والمساواة ومحو كل الفوارق الطبقية والجنسية. وانضافت إلى ذلك تطبيقات ولاة القرن الأول الهجرى عقبة بن نافع وابن أبى المهاجر وحسان بن النعمان وموسى بن نصير لتعاليم الإسلام ومبادئه فى حكم البربر بحيث أصبح البربرى يشعر أنه عضو عامل-كبقية الأعضاء عربا وغير عرب-فى أسرته الإسلامية الكبرى، فله ما للعرب من الحقوق، وعليه ما عليهم من الواجبات، فهو يتولى حكم هذه المدينة أو تلك، وهو يقود الجيوش الإسلامية فى المغرب وخارج المغرب، لا فرق أى فرق بين بربرى وعربى.
وتوّج عمل ولاة القرن الأول الهجرى فى نشر الإسلام بين البربر بالبعثة التعليمية التى أرسلها عمر بن عبد العزيز إلى القيروان سنة مائة للهجرة على رأسها إسماعيل بن عبد الله بن أبى المهاجر، وأسند إليه ولاية المغرب وكانت البعثة مكوّنة من عشرة من صفوة الفقهاء فى الأمة أرسلهم عمر لتفقيه البربر والعمل على نشر الإسلام بينهم، وأهمهم بالإضافة إلى إسماعيل عبد الله بن يزيد المعافرى المعروف بالحبلى، وعبد الرحمن بن رافع التنوخى وإسماعيل بن عبيد الأنصارى وسعد بن مسعود التجيبى، وكل منهم بنى فى القيروان دارا لمسكنه ومسجدا لصلاته واجتماعه بالبربر يفقههم فى الدين وكتّابا لتعليم الناشئة مبادئ العربية وتحفيظها القرآن الكريم. وبذل كل منهم أقصى ما يستطيع فى نشر الدين الحنيف، يتقدمهم فى ذلك