للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إسماعيل بن عبد الله بن أبى المهاجر، وفيه يقول ابن عذارى: «ما زال إسماعيل حريصا على دعاء البربر إلى الإسلام، حتى أسلمت بقية بربر إفريقية على يديه فى دولة عمر بن عبد العزيز، وهو الذى علم أهل إفريقية الحلال والحرام».

وعلى هذا النحو أصبح البربر فى نهاية القرن الأول الهجرى شعبا إسلاميا بالمعنى الدقيق لهذه الكلمة فهو يتغلغل فى ذات نفوسهم، ويتعمق قلوبهم وأفئدتهم، وخلف عمر بن عبد العزيز خلفاء أمويون ضلوا السبيل فولّوا على القيروان وإفريقية ولاة طاغين باغين أخذوا يفرّقون بين العرب والبربر فى الخراج، مما جعل البربر يفكرون فى مخرج من هذا الظلم الفادح، وسرعان ما أخذ الخوارج الصفرية والإباضية ينشرون مبادئ عقيدتيهما الآخذة بتعاليم الإسلام فى التسوية بين العرب والبربر فى الخراج وغير الخراج. ونكب البربر بتولية عبيد الله بن الحبحاب القيروان وإفريقية، وكان هو ونوابه فى إفريقية جميعها بمنتهى الحمق والسفاهة، فتمادوا فى التفرقة بين البربر والعرب، وأخذت جموع كثيرة فى المغربين الأقصى والأوسط تنضم تحت لواء الصفرية، وكانوا متطرفين تطرفا شديدا يستحلون من المسلمين سفك الدماء وسبى النساء واسترقاقهن، وانضمت جموع أخرى تحت لواء الإباضية فى جبل نفوسة ولم يكونوا يستحلون-مثل الصفرية-سفك دماء المسلمين ولا سبى نسائهم. وثار الصفرية بالمغرب الأقصى وتقدم جيشان لهم إلى القيروان سنة ١٢٤ هـ‍/٧٤١ م يريدون الاستيلاء عليها وهزما هزيمة ساحقة. ودخلت قبيلة ورفجومة الصفرية القيروان سنة ١٣٨ هـ‍/٧٥٥ م وأخرجها منها أبو الخطاب الإباضى سنة ١٤١ هـ‍/٧٥٨ م وولّى عليها عبد الرحمن بن رستم الإباضى، وسرعان ما نازل جيش عباسى أبا الخطاب وقضى عليه، وفر عامله عبد الرحمن بن رستم إلى الجزائر وأسس فى تيهرت دولة إباضية.

وكل هذه الإلمامات للإباضية والصفرية بالقيروان لم تترك بها أى أثر، وكأنها كانت سحابات صيف لم تكد تلم حتى أقلعت، ولا نسمع عن أى أحد من القطر التونسى اعتنق إحدى هاتين العقيدتين. ومعنى ذلك أن القيروان ظلت دارا كبرى للسنة، ولم تأبه بتعاليم الصفرية والإباضية، وقد امتشقت الحسام ونازلت الأولين منازلة ضارية كما مر بنا فى الفصل الماضى، بل لقد دمرت جيشين لهما ومحقتهما محقا ذريعا. وأخذت القيروان فى أواخر القرن الثانى الهجرى وطوال القرن الثالث بمذهبين من مذاهب أهل السنة هما مذهب أبى حنيفة ومذهب مالك، وكان للمذهب الثانى غير قليل من الغلبة لكثرة فقهائه. وما إن تستقر الأمور فى القيروان لبنى عبيد الفاطميين حتى يعلنوا عقيدتهم الشيعية، وحتى يأمر عبيد الله المهدى أول خلفائهم بتعطيل تعليم الشريعة والفقه على مذاهب أهل السنة، ويريد مذهبى مالك وأبى حنيفة، ومنع شيوخ المذهبين من إلقاء دروسهم فى جامع عقبة فكانوا يقرءون تلاميذهم إما فى بيوتهم وإما فى حوانيتهم، وكانوا قد اضطهدوا

<<  <  ج: ص:  >  >>