للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وموقف كريم ثان لنساء القيروان عامة حين استنفر عبد الواحد بن يزيد الهوارى وعكاشة بن محصن الصفرية فى الجزائر للهجوم على القيروان، وكان الصفرية قد اشتهروا بسفك الدماء وهتك الحريم وسبيهن، وكان عبد الواحد قد اقترب من القيروان فى ثلاثمائة ألف، وأخذ حنظلة بن صفوان والى القيروان يستعد للقائه، وما إن أخذ يعدّ صفوف جيشه لهذا اللقاء حتى فوجئ بنساء القيروان جئن للتحريض على الجهاد والاشتراك فى الحرب، يقول الرقيق القيروانى: «خرج نساء القيروان فعقدن الألوية، وأخذن معهن السلاح، وعزمن على القتال واستبسلن للموت مع الرجال، وحلفن لأزواجهن: لئن انهزم أحد منكم إلينا مولّيا عن العدو لنقتلنّه» وحين سمع الناس هذا الوعيد والتحريض الشديد من النساء وطنوا أنفسهم على الاستشهاد، فالموت أولى بهم من عار سباء زوجاتهم، وانتهاكهنّ وبيعهن فى الأسواق بيع الإماء. والتحم القتال وتداعى الأقران والأبطال، وانتصر حنظلة والجيش ونساء القيروان، وقتل عبد الواحد وقتل من جموعه مائة وثمانون ألفا، وهى مفخرة باقية للمرأة التونسية لاستشعارها-إلى أقصى حد-كرامتها وحميتها للوطن استشعارا يسجله لها التاريخ فى الأزمنة الإسلامية الماضية.

وموقف كريم ثالث للمرأة التونسية لا فى القطر التونسى بل فى صقلية، فإن واليها خفاجة بن سفيان كان قد شدد الحصار على أهل طرميس سنة ٢٤٨ هـ‍/٨٦٣ م وكانوا ينازلون جيشه نزالا ضاريا ورأوا أن يقفوا الحرب وطلبوا من خفاجة وفدا للمفاوضة، فأرسل إليهم وفدا على رأسه زوجته لمفاوضتهم، وهى أول سيدة عربية تتولى السفارة بين قومها وأعدائهم، واستقبلوها بحفاوة، ونزلوا على إرادتها فيما وضعته لهم من شروط الصلح، وسلموها مفاتيح المدينة، وبذلك نجحت سفارتها نجاحا عظيما، إذ حقنت دماء المسلمين وسلمتهم مفاتيح مدينة بأكملها ودخلوها صلحا، وابن هذه السيدة البطل محمد بن خفاجة هو فاتح مالطة سنة ٢٥٥ هـ‍/٨٦٨ م إذ أعد لفتحها أسطولا قضى به على حاميتها الرومية، وظلت مالطة تابعة لصقلية إلى أن استولى عليها النورمان بعد نحو مائتين وثلاثين عاما. ومعنى ذلك كله أن للمرأة التونسية تاريخا مجيدا فى العصور الإسلامية يصور حصافتها وكياستها وشعورها بكرامتها إلى أقصى حد.

<<  <  ج: ص:  >  >>