للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالنفير، وجاءت الجنود من كل فجّ، وهجم بهم على الترك فى السّحر، فقتل منهم مقتلة عظيمة، وفرّ الباقون لا يلوون. وإسماعيل أعظم أمراء هذه الدولة، فهو الذى نظّم علاقتها بالخلافة العباسية فى بغداد، فلم يكن يؤدّى لها ضرائب مالية، بل كان يكتفى بإرسال بعض الهدايا، ويقال إن هديته لسنة ٢٩٢ اشتملت على ثلثمائة بعير كانت تحمل صناديق المسك والعنبر والثياب وتحفا كثيرة، وقد منحه الخليفة حقّ ذكر اسمه معه فى خطبة الجمعة وحق نقش اسمه على الدنانير. وظل ذلك تقليدا للأمراء السامانيين، وهو رمز واضح لاستقلالهم السياسى عن الخلافة، ومع ذلك كانوا يفتقرون دائما إلى عهود تولية من الخلفاء العباسيين حتى يكون حكمهم شرعيّا، وكانوا تبعا لذلك سنيين مما جعلهم دائما خصوما للشيعة.

وخلف إسماعيل ابنه أحمد (٢٩٥ - ٣٠١ هـ‍.) وكان شجاعا، فاستولى على سجستان، غير أن غلمانه لم يلبثوا أن قتلوه، فولى بعده ابنه نصر (٣٠١ - ٣٣٢ هـ‍.) ومنه اقتطع مرداويج الزّيارى طبرستان سنة ٣١٦ واتّهم باعتناقه للمذهب الإسماعيلى الشيعى، فاضطره حرسه إلى التنازل عن السلطان لابنه نوح (٣٣٢ - ٣٤٣ هـ‍.) وهو أول سلاطين الدولة فى هذا العصر: عصر الدول والإمارات، وكانت فيه شدة وعنف، فلما خرج عليه أخواه وعمه إبراهيم سمل عيونهم جميعا. وخلفه ابنه عبد الملك (٣٤٣ - ٣٥٠ هـ‍) وكان ضعيفا. وولى بعده أخوه منصور (٣٥٠ - ٣٦٦ هـ‍.) وأرسل إليه الخليفة المطيع لله بالخلع والتقليد. وأخذ البويهيون منذ ظهورهم يقتطعون من السامانيين كثيرا من أطراف دولتهم فى إيران، فاستولوا على كرمان. غير أن خراسان ظلت فى أيدى السامانيين هى وماوراء النهر، وظل سلطانهم قويا فيها حتى عهد منصور. وكانوا يمتازون بنشر العدل والأمن فى ربوع بلادهم. ويحكى ذلك ابن حوقل قائلا: «ليس بأرض المشرق ملك أمنع جانبا، ولا أوفر عدّة، ولا أكمل عدّة، ولا أنظم أسبابا، ولا أكثر أعطية، ولا أدرّ طعاما، ولا أدوم حسن نيات من السامانيين، مع قلة جباياتهم ونزور أخرجتهم، وقلة الأموال فى خزائنهم، وذلك أن جباية خراسان وما وراء النهر لأبى صالح منصور بن نوح فى وقتنا هذا، لكل خراج يقبض وضمان يحمل فى كل ستة أشهر، عشرون ألف ألف درهم. وعليه أربعة أطعمة فى كل سنة دارّة، غير مقطوعة ولا ممنوعة، وكل طعم منها فى رأس تسعين يوما، يخرج منه إلى غلمانه وقواده ولسائر المتصرّفين خمسة آلاف ألف درهم، وتستوعب أطعمتهم نصف جباياته المذكورة، وهى عشرون ألف ألف درهم، عن نفس طيبة ومسرة ظاهرة، وغبطة بقيام المعدلة فيهم تامة. . ولهذه الحال أعمالهم مشحونة

<<  <  ج: ص:  >  >>