للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهو يقول إنه لن يقيم مدى الدهر عند قبيلة إنتاب ومنازلها فى إنجول، وقد أقام لديهم يوما خاله لطوله-وقد ظمئ فيه ظمئا شديدا-يوم القيامة، وظنّ أن الناس ذهبت تسأل وبقى وحده. وقال فى إدوداى إحدى عشائر بنى ديمان-وقد نزل عندها-يهجوها:

يا ربّ ليل بهيم أليل داج ... قد بتّ فى ضيعة لدى إدوداج (١)

حتى إذا ما دنا الإصباح نبّهنى ... وغد على لقمة فى قعر مجّاج

وقلب الياء من قبيلة إدوداج جيما محاكاة لبعض لغات العرب فى هذا القلب، وهو يقول إنه بات فى ليل بهيم مظلم أشد الظلام بضيعة عند إدوداى، حتى إذا اقترب الصباح نبهه وغد لئيم على لقمة غير سائغة فى قعر إناء يمجّ ما فيه ويلفظه لسوئه.

لئيم على لقمة غير سائغة فى قعر إناء يمجّ ما فيه ويلفظه لسوئه.

ويسوق الشنقيطى للمأمون اليعقوبى المتوفى سنة ١٢٣٨ هـ‍/١٨٢٣ م مقطوعة من هجائه للمختار بن بون حين وقع الشقاق بين المختار وعصابة البعقوبيين وصاروا جميعا يدا واحدة عليه كما مرّ فى ترجمته، وله يقول موهّنا علمه بمنطق أرسطو وبأحاديث الرسول (٢) صلّى الله عليه وسلم:

أكثرت حزّك لو دريت مفصله ... فادر المفاصل قبل الحزّ واستفق (٣)

ما الدين إلا الذى تسعى لتوهنه ... آى النبىّ وآثار الهدى العبق (٤)

لا كلّ خبط عن اليونان مبتدع ... قد سنّ بين أصول الدين مختلق

تحمى قواعد رسطا ليس تحسبها ... دينا لك الويل نبّهناك فاستفق

إن كنت تورد نسخا أو معارضة ... لذى الأحاديث فاذكر ما ترى وسق

وإن تكن قاصرا عن كونها ثبتت ... فيما حوى شرحه الحفّاظ فى الورق

فاعرف مقامك فى درك العلوم ولا ... تعرض لمن خاض فيها شاسع الشّقق (٥)

وهو يصفه بأنه أكثر الحزّ ولا يصيب المفصل، وينصحه أن يعرف المفاصل حتى يحسن الحزّ، ويقول له ما الدين إلا الذى تسعى فى توهينه من معجزات الرسول وآثار هداه العطر لا هذا المنطق المبتدع عن اليونان والذى تزجّون به فى أصول الدين ودراساته، لذلك تدافعون عن قواعد أرسططاليس المنطقية وتتخذونها دينا لكم وشعارا. ثم يقول إن كانت الأحاديث التى تذكرها وتدرسها للطلاب مكتوبة أو مروية فاذكر ذلك وسق أسانيدها، وإن كنت تعجز عن إثبات سندها فى كتب الأحاديث وشروحها فاعرف مقامك فى معرفة العلوم ولا تتعرض لمن تعمقها ووقف على نواحيها وجوانبها المختلفة. والمأمون تجاوز حده فى هذا الهجاء فلم يكن المختار بن بون ضعيف الأحاديث ولا كان واهن الدين، وإعجابه بمنطق أرسطو لا يشينه، فقد كانت دراسته عامة فى جميع البيئات الإسلامية. ويصفه الشنقيطى فى ترجمته بأنه «تاج


(١) بهيم: مظلم. أليل: شديد الظلمة. داج: معتم.
(٢) الشنقيطى ص ٢١٧.
(٣) المفصل: ملتقى كل عظمين فى الجسد.
(٤) العبق: العطر.
(٥) الشقق: جمع شقة: الناحية يريد أنه متوسع فى العلوم.

<<  <  ج: ص:  >  >>