للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المغربية، وكأنه كان يعدّ شباب قومه لمنازلة فرنسا قبل فرضها الحماية على موريتانيا سنة ١٣٢٠ هـ‍/١٩٠٣ م وفيها يفخر بشجاعة قومه وحمايتهم للإسلام قائلا:

وفتيان يرون الضيّم صابا ... وطعم الموت خرطوما عقارا (١)

أحبّوا الملّة البيضا فكانوا ... عليها من مراودها غيارا

بأيديهم مذرّبة طوال ... ترى الأقران أعمارا قصارا (٢)

جموع تهزم الأعداء قهرا ... فتتركهم جديسا أو وبارا (٣)

بنصر الله واثقة يقينا ... فلا تخشى من الخلق الحذارا

لها إعلاء كلمته مرام ... فلا غنما تروم ولا افتخارا

وهو يقول إن شباب قومه فتيان أشداء يرون الذل مرا لا يطاق شرابه، أما الموت فى ميدان الحروب فيرونه لذيذا لذة الخمر أو أعظم لذة. وقد أحبوا الدين الحنيف حتى إنهم ليغارون عليه غيرة العاشق على معشوقته، وإنهم لشجعان بواسل بأيديهم سيوف ماضية، ترى الأقران أن أعمارهم قصار بما تقطع من رقابهم، وإنهم لجموع تعوّدوا النصر على أعدائهم حتى ليبيدوهم عن آخرهم فيصبحوا فى عداد الأمم البائدة مثل جديس ووبار، ودائما يثقون فى نصر الله لا يخشون أحدا، وقصدهم إعلاء كلمة الله ودينه القويم دائما، ولا غنما يريدون ولا افتخارا. ويعرض فى قصيدة طويلة مذاكرته لزملاء أدباء يقفون على مذاهب الفقهاء المختلفة ومذهبى الأشعرى وإمام الحرمين الجوينى ومنازع الفرق الصوفية وأقوال الخليل وسيبوبه والكوفيين وغيرهم فى النحو، ويتدارسون شعراء الجاهلية الستة المشهورين: امرأ القيس وزهيرا والنابغة وعلقمة وطرفة وعنترة، والمرقشين الأكبر والأصغر والأعشيين: أعشى قيس وأعشى باهلة والأعميين: بشارا وأبا العلاء، وأبا نواس والمتنبى. وهى وثيقة مهمة بما كان يتدارسه الشباب الموريتانى من العلوم والشعر والشعراء جاهليين وإسلاميين وعباسيين، ثم يقول مفاخرا بشمائله:

ومن يك راغبا فى القرب منى ... يجدنى دون ماء المقلتين

ومن يؤثر قلاى فليس شئ ... يواصل بينه أبدا وبينى

ألاحظ من خليطى كلّ زين ... كما أغضبى له عن كلّ شين

ولا أصغى إلى العوراء حتى ... يرى أنّى أصمّ المسمعين (٤)

وما جهل الجهول بمستفزّى ... ومالى بالدنيّة من يدين


(١) الضيم: الهوان. الصاب: المر. الخرطوم والعقار: الخمر.
(٢) مذربة: من ذرب السيف والرمح: صار ماضيا.
(٣) جديس ووبار: قبيلتان من العرب البائدة.
(٤) العوراء: الكلمة السيئة. المسمعين مثنى مسمع: الأذن.

<<  <  ج: ص:  >  >>