الساسانيين الذين غلبوا على الأرض. وعظم حقد الموالى على الدولة، وملأت الحفيظة والموجدة صدورهم، والتفّت منهم جماعات كثيرة حول أبى مسلم داعية العباسيين بخراسان، وما لبثوا أن زحفوا فى جيش ضخم أدالوا به للعباسيين من الأمويين وللفرس من العرب إدالة نفذوا فى أثنائها إلى مناصب الدولة العباسية العليا، بحيث كان منهم أكثر القواد وأكثر الولاة، وخاصة حين استولى على أزمّة الحكم البرامكة فى عهد الرشيد وبنو سهل فى عهد المأمون.
وكان هذا التحول الخطير فى مقاليد الحكم وما أصبح للفرس من مكانة رفيعة فى المجتمع العباسى الجديد سببا فى بروز نزعة الشعوبية نسبة إلى الشعوب الأعجمية، وهى نزعة كانت تقوم على مفاخرة تلك الشعوب-وفى مقدمتها الشعب الفارسى- للعرب مفاخرة تستمد من حضارتهم وما كان العرب فيه من بداوة وحياة خشنة غليظة.
وكان منهم معتدلون وقفوا عند حد التسوية بين العرب وغيرهم من الشعوب حسب تعاليم الإسلام فلا عربى يفضل أعجميّا ولا أعجمى يفضل عربيّا، إذ ليست العروبة ولا العجمة ميزة فى نفسها تعلى من شأن صاحبها، فالناس جميعا سواء وقد خلقوا من تراب ويعودون إلى التراب.
وكان بجانب هؤلاء المعتدلين متطرفون تجاوزوا التسوية بين العرب وغيرهم من الشعوب إلى الإزراء عليهم والنزول بهم دونها مرتبة أو مراتب، وهؤلاء هم الذين تصدق عليهم كلمة الشعوبيين، إذ قدموا الشعوب الأجنبية على العرب وتنقّصوا قدرهم وصغّروا شأنهم، وكانوا طوائف مختلفة فمنهم رجال السياسة الذين يريدون أن يستأثروا دون العرب بالحكم والسلطان، ومنهم قوميون كانوا يستشعرون مشاعر قوميتهم ضد العرب الذين اجتاحوا ديارهم وقوّضوا دولهم وهى مشاعر ما زالت تحتدم فى نفوس الفرس حتى أحيوا لغتهم ودولتهم فيما بعد، ومنهم مجان خلعاء أعجبتهم الحضارات الأجنبية وما اقترن بها من خمر ومجون واستمتاع بالحياة. وأشد من كل هؤلاء عنفا وغيظا من العرب الملاحدة الزنادقة الذين كانوا يبغضون الدين الحنيف وكل ما اتصل به من عرب وعروبة، وفيهم يقول الجاحظ: «إن عامة من ارتاب بالإسلام إنما كان أول ذلك رأى الشعوبية والتمادى فيه وطول الجدال المؤدّى إلى الضلال، فإذا أبغض شيئا أبغض أهله، وإن أبغض تلك اللغة أبغض تلك