للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجزيرة، وإذا أبغض تلك الجزيرة أحبّ من أبغض تلك الجزيرة، فلا تزال الحالات تنتقل به حتى ينسلخ من الإسلام، إذ كانت العرب هى التى جاءت به، وهى السلف والقدوة» (١).

وكانت أهم مطاعنهم التى وجههوها إلى العرب أنهم كانوا بدوا (٢) رعاة أغنام وإبل، ولم يكن لهم ملك ولا حضارة ولا مدنية ولا معرفة بالعلوم، فأين هم قديما من ملك الأكاسرة والقياصرة؟ وأين هم من الحضارة الفارسية والرومية؟ وأين هم من علوم الهند والفرس والكلدان واليونان والرومان؟ وقد مضوا يزرون على خطابتهم واعتمادهم فيها على العصى وإشارتهم بها واتكائهم على أطراف القسّى كما أزروا على أسلحتهم الساذجة وأطعمتهم الخشنة. وأخذوا يتتبعون مثالبهم ويحصونها عليهم ويستقصونها، وكان العرب بسبب أهاجيهم القبلية العنيفة قد وضعوا تحت أيديهم مادة وفيرة منها، فاستغلوها فى ذمهم وأضافوا إليها مادة مختلقة صاغوها فى قصص وأشعار وأضافوها إليهم. وبلغ من سوء نيتهم وشدة موجدتهم عليهم أن حاولوا تقبيح بعض شيمهم الرفيعة كشيمة الكرم، وقايسوا بين ما عندهم من المعارف والتعمق فى السياسة وبين ما للعرب من حكم منثورة. وزعموا-فيما زعموا- أن الرسول فضلهم على العرب بمثل قوله: «لأنابهم أوثق منى بكم» (٣) والوضع فى هذا الحديث لا يحتاج دليلا. وحاولوا أن يستلّوا قريشا قوم الرسول من العرب ويدخلوهم فى غمارهم فزعموا أن سائلا سأل الرسول عن أهله وأصل قريش.

فقال: نحن قوم من نبط كوثى (٤).

ومن المحقق أن رجال الفرس البارزين من أمثال البرامكة وآل سهل وآل طاهر ابن الحسين كانوا يذكون نار هذه الشعوبية فيمن حولهم من الفرس، وقد اختلف الناطقون عنها بين عالم وأديب وشاعر، نذكر منهم أبا عبيدة اللغوى الإخبارى المشهور، وأصله من يهود فارس، وقد صبّ عنايته على تسجيل مثالب العرب


(١) الحيوان ٧/ ٢٢٠.
(٢) انظر فى هذه المطاعن البيان والتبيين ٣/ ٥ - ١٢٤ وكتاب العرب لابن قتيبة فى مجموعة رسائل البلغاء بتحقيق محمد كرد على (طبع لجنة التأليف والترجمة والنشر) والعقد الفريد ٣/ ٤٠١ وما بعدها.
(٣) انظر تيسير الوصول ٣/ ١١١، ١٢٧.
(٤) انظر مادة كوثى فى معجم البلدان لياقوت.

<<  <  ج: ص:  >  >>