ويقول ابن خلدون:«فى أيامه انخضدت شوكة البربر واستكانوا للغلب وأطاعوا الدين، فضرب الإسلام بجرانه» أى ثبت واستقر نهائيا فى الديار المغربية.
ونمضى إلى القرن الخامس الهجرى، ويحدث حدث كبير أتمّ تعرب البربر فى الجزائر وغير الجزائر، فإن المعز بن باديس الصنهاجى حاكم برقة وإفريقية التونسية وشرقى الجزائر للدولة العبيدية الفاطمية فى القاهرة نقض طاعته لتلك الدولة، وحوّل الدعوة فى ولايته إلى الخلافة العباسية وأرسل إلى الخليفة العباسى القائم أبى جعفر بن القادر ببيعته له ودعا له على منابر القيروان وغير القيروان سنة ٤٣٨ وأرسل إليه القائم بالتقليد وبالخلع، وعرف ذلك الخليفة العبيدى الفاطمى المستنصر وصمم على الانتقام منه. وكان القرامطة قد اشتبكوا فى حرب سنة ٣٥٩ مع الخليفة الفاطمى العزيز نزار فى فلسطين ومدخل مصر، وكانت تؤازرهم قبيلتا سليم وهلال اللتان كانتا تزعجان قوافل الحجاج حول المدينة، فلما انتصر عليهم العزيز أنزل هاتين القبيلتين فى الصحراء الشرقية بالصعيد بين النيل والبحر الأحمر، وكانتا تحدثان غير قليل من الإضرار بسكانه، فأشار على الخليفة الفاطمى العزيز وزيره اليازورى أن يصطنع مشايخ هاتين القبيلتين وأن يغريهم بالهجرة إلى المغرب مع من يوالونهم من البدو وقال له إن ظفروا بالمعز بن باديس الصنهاجى صاروا أولياء للدولة وعمالا لها بتلك الأنحاء النائية، وإلا دبرنا له ما يقضى عليه، وأعجبت المستنصر الفاطمى تلك الفكرة، فاستقدم شيوخ القبيلتين وعرضها عليهم سنة ٤٤١ للهجرة فقبلوها، وفرض لكل بدوى مهاجر بعيرا ودينارا. وعبرت سيولهم النيل سنة ٤٤٢ واندفعت إلى برقة وما وراءها من البلاد المغربية كالجراد المنتشر لا يمرون بشئ إلا أتوا عليه كما يقول ابن خلدون، واستولت سليم على برقة جميعها وبعض البلدان الشرقية لإفريقية التونسية، واتجه بنو هلال إلى إفريقية ووصلوا القيروان سنة ٤٤٣ للهجرة ونازلوا المعز بن باديس، وتمت لهم الغلبة واحتلوا القيروان وغيرها من البلدان التونسية وخرّبوا المبانى وطمسوا معالم الحسن والرونق فيها، وأهلكوا كثيرا من الزروع فى الريف، حتى أصبحت يبابا؟ ؟ ؟ ومفاوز كما يقول ابن خلدون. ولما تمّ استيلاؤهم على البلاد التونسية اكتسحت سيولهم الجزائر واقتسمتها القبائل الهلالية وبعض عشائر من سليم، وظلت تتقاتل مع القبائل البربرية هناك فى السهول وخاصة زناتة وصنهاجة وعشائرهما حتى عجزوا عن مدافعتهم، ونازلوا الناصر بن علنّاس الحمادى صاحب القلعة وخربوا جنباتها وجنبات طبنة والمسيلة (المحمدية) وغيرهما. ويقول ابن خلدون إنهم أزعجوا ساكنى هذه البلدان وكل ما يتصل بها من المنازل والقرى والضياع حتى أصبحت قاعا صفصفا، ولم يزل ذلك دأبهم حتى هجر الناصر بن علنّاس سكنى القلعة واختط بالساحل مدينة بجاية ونقل إليها ذخيرته وأعدّها لسكنه، ونزلها بعده ابنه المنصور فرارا من ضيم هؤلاء الأعراب، واتخذ كثيرون من البربر الجبال والمرتفعات الوعرة حصونا منيعة لهم. أما هم فاقتسموا السهول لخصبة التى احتلوها واستقروا فيها شمالى