البلاد وأواسطها، وبمرور الزمن اختلطوا بالبربر وصاهروهم. وتنبه عبد المؤمن مؤسس دولة الموحدين لهم فنازلهم فى الأربعينيات من القرن السادس حتى إذا تغلب عليهم أخذ يصانعهم هو وابنه يوسف وحفيده المنصور وجندوا منهم كثيرين أشركوهم فى حرب نصارى الأندلس وأبلوا فيها بلاء عظيما، وأنزلوا عشائر كثيرة منهم فى الشمال الغربى لمراكش، واستوطن كثيرون منهم إقليم وهران وكان لهم فيما بعد أثر عظيم فى مجاهدة الإسبان مع بنى زيان.
وهذه الهجرة الأعرابية الضخمة التى يقول المؤرخون إن عددها كان يزيد عن نصف مليون أعرابى والتى انتشرت فى الجزائر وغيرها من الأقاليم المغربية كان لها فضل عظيم فى إتمام تعرب المغرب واصطباغه بصبغة عربية كاملة، ويصور ذلك ابن خلدون فى حديثه عن بعض القبائل البربرية مثل بنى يفرن إذ يقول إنهم «نسوا رطانة الأعاجم وتكلموا بلغات العرب وتحلوا بشعائرهم فى جميع أحوالهم» ويقول عن قبيلة هوارة إنهم صاروا فى عداد الناجعة (طلاب المراعى) من عرب بنى سليم فى اللغة والزّىّ وسكنى الخيام وركوب الخيل والإبل وممارسة الحروب وإيلاف الرحلتين فى الشتاء والصيف فى تلالهم قد نسوا رطانة البربر واستبدلوا منها فصاحة العرب فلا يكاد يفرّق بينهم». وهو قول يعم جميع البربر فى سهول الجزائر ومدنها إلا من اعتصم بالجبال والأنجاد الوعرة، أما عامة البربر فقد أصبحوا عربا فى اللغة والدين والزى والعادات وأساليب الحياة والخصال الكريمة من المروءة والفروسية، أو بعبارة أخرى أصبح المغرب جميعه فى الجزائر وغير الجزائر شعبا عربيا عظيما وتغلغل الشعور بعروبته فى أعماقه، مما جعل قبائل البربر فى جميع الأنحاء المغربية شرقا وغربا تصطنع لها أنسابا إلى القبائل اليمنية والمضرية وتتكلم العربية إلا فى أنحاء من الجبال لتوعر مسالكها وفى بعض جهات نائية اعتنقوا الإسلام وظلوا يتكلمون لغتهم البربرية مع غيرتهم وحميتهم للدين الحنيف.
ولا نبالغ إذا قلنا إن الجزائر-منذ هذه الهجرة الأعرابية الكبرى-أخذت تصطنع العربية لغة هؤلاء الأعراب فى لسانها، وعمت بين جماهيرها فى الزاب وقسنطينة وبونة (عنابة) والمدن الساحلية التى سكنها هؤلاء الأعراب. والمظنون أنها ظلت فصيحة سليمة طوال قرنين على الأقل، ثم أخذت تتحول حتى فى ألسنة الأعراب أنفسهم إلى لغة عامية تفتقد الإعراب وكانت كثرتهم فى الجزائر من القبائل الهلالية، ونزلت منها الأثبج فى الشمال ومنها دريد، وقد نزلوا بين بونة (عنابة) وقسنطينة، وانتشرت بطونهم غربى قسنطينة ونواحى جبال أوراس، ونزلت زغبة فى القفار من نواحى تلمسان، ونزل بنو رياح الهلاليون فى قسنطينة بينما نزل بنو عامر فى وهران وأنحائها. ويسهب ابن خلدون فى الجزء السادس من تاريخه فى توزيع القبائل الهلالية فى الجزائر من بونة إلى تلمسان، وفى أثناء ذلك يقول: ولهؤلاء الهلاليين فى الحكاية عن دخولهم إلى إفريقية طرق فى الخبر يزعمون أن الشريف ابن هاشم