ضراوة فى نفوسهم أن قوّاد الجيوش المحاربة كانوا يكافأون على انتصاراتهم بإسناد إدارة الجهات التى يفتحونها إليهم، وكان القائد حين تسند إليه ولاية يخصّ قبيلته بالغنم الأكبر. وكذلك كان يصنع الولاة من قبل الخليفة أو والى العراق، فانطوت النفوس على موجدة شديدة، وهى موجدة أدّت هناك دائما إلى حروب عنيفة واشتباكات دامية، كانت تعلو فيها القبيلة كما كان يعلو الثأر على كل شئ.
وبذلك أصبح العرب بخراسان فى نفس الموقف الذى كان عليه أسلافهم فى الجاهلية، فهم يعيشون للمنازعات القبلية والثارات، وحقّا كانوا يشغلون أحيانا بحروب الترك، ولكنهم كانوا لا يهدءون وينصرفون قليلا عن حربهم حتى يتحاربوا فيما بينهم حربا مريرة، وهى حرب عادت فيها العصبيات جذعة.
وقد بدأت هذه العصبيات تستعر هناك فى نفس الوقت الذى بدأ استعارها فيه بالبصرة، أى بعد وفاة يزيد بن معاوية فقد أخذت الأزد وأحلافها تحاول أن تستولى على السلطان هناك، وتصدت لهم قيس وتميم بزعامة عبد الله ابن خازم السّلمى القيسى. واستطاع أن يجمع السلطان فى يده هناك معلنا ولاءه لابن الزبير، حتى إذا غلب عبد الملك بن مروان على صاحبه أرسل إليه أن يدخل فى طاعته على أن يطعمه خراسان سبع سنين، وأبى ابن خازم، غير أن نائبه فى مرو: بكير بن وشاح التميمى ثار عليه، ولم يلبث ابن خازم أن قتل. ودخلت خراسان ثانية فى طاعة بنى أمية، وولّى عليها عبد الملك بكيرا، ثم ولى أمية بن عبد الله بن خالد بن أسيد الأموى. وضمّها إلى الحجاج، فولّى عليها فى سنة ٧٨ المهلّب الأزدى بعد قضائه على الأزارقة، فقدمها يصحبه شاعره كعب الأشقرى الذى طالما أشاد بانتصاراته على الأزارقة. ويلزمه شعراء خراسان يمدحونه ويصفون حروبه مع الترك من أمثال المغيرة بن حبناء التميمى ونهار بن توسعة اليشكرى البكرى وزياد الأعجم مولى عبد القيس. ويتوفّى المهلب سنة ٨٢، فيولّى الحجاج بعده ابنه يزيد، وكان شجاعا مقداما كما كان بحرا فياضا، وقد أشاد الشعراء هناك بحروبه فى فرغانة حوارزم وماوراء النهر إشادة رائعة. ويعزله الحجاج لعصبيته الشديدة للأزد