الأمير عبد الرحمن الأوسط يحيى الغزال، أما بعد ذلك فالكتاب مشرقى خالص بما فيه من شعر ونثر بحيث قال الصاحب بن عباد حين اطلع عليه: هذه بضاعتنا ردّت إلينا، وهو رمز واضح لروحه المسرفة فى المحافظة.
ومع أن غزلياته وخمرياته وزهدياته يبدو فيها جميعا التكلف الشديد تتجلى فى مدائحه شاعرية بارعة، وكأنما خلق للمديح أو مداحا، وبدأ مديحه مبكرا، وقد استهله بمديح الأمير محمد بن عبد الرحمن، وتوفى فعنى بمديح ابنه المنذر ويؤثر له فيه قوله من مدحه:
بالمنذر بن محمد ... شرفت بلاد الأندلس
فالطير فيها ساكن ... والوحش فيها قد أنس
وتوفى المنذر وخلفه أخوه عبد الله (٢٧٥ - ٣٠٠ هـ.) ويمدحه لأول استيلائه على صولجان الحكم بقصيدة قافية يقول فيها متجاوزا كل حد فى المبالغة على عادة الشعراء:
إذا فتحت جنّات عدن وأزلفت ... فأنت بها للأنبياء رفيق
وينتصر عبد الله على ابن حفصون الثائر فى إحدى المعارك معه سنة مائتين وثمان وسبعين، وكان قد اشتدت شوكته وتداعى له-كما يقول ابن حيان-أهل الشر من أقطار الأندلس، فهنأه ابن عبد ربه بقصيدتين: حائية وجيمية، وفى الثانية يقول:
هذى الفتوحات التى أذكت لنا ... فى ظلمة الآفاق نور سراج
ويخلف عبد الرحمن الناصر (٣٠٠ - ٣٥٠ هـ.) جده عبد الله وكان ابن عبد ربه أحد معلميه وكان الناصر جديرا بكل حمد فعاش ابن عبد ربه بقية حياته حتى وفاته سنة ٣٢٨ يتغنى بفتوحاته وانتصاراته الضخمة على الثائرين فى الداخل، ودانت له الأندلس ودان له ملوك النصارى وأمراؤهم فى الشمال. وبمجرد استيلائه على مقاليد الحكم يعد جيشا جرارا لغزوة المنتلون، ويستولى فيها على مائتى حصن من حصون الثوار ويهنئه ابن عبد ربه بهذا النصر المبين مرارا منشدا:
فى غزوة مائتا حصن ظفرت بها ... فى كل حصن غواة للعناجيج (١)
ما كان ملك سليمان ليدركها ... والمبتنى سدّ يأجوج ومأجوج
وهو يعلى ملكه على ملك سليمان بن داود وملك الإسكندر ذى القرنين بانى سد بأجوج ومأجوج وصاحب الفتوح الكبرى. ولابن عبد ربه فى حروب الناصر من سنة ٣٠٠