فاختلط لبنها بدمها. ولما علم جساس بما حدث ثار لكرامته، وسنحت له فرصة من كليب فقتله، ودارت رحى حرب طاحنة ظلت-فيما يقال-أربعين سنه، فكثرت أيامها مثل يوم عنيزة وكان سجالا بين الطرفين، ويوم واردات وكان لتغلب على بكر ويوم قضّة (تحلاق اللمم) وفيه انتصرت بكر. ولما أنهكت الحرب الفريقين لجآ إلى الحارث بن عمرو الكندى، فأصلح بينهما، وأقام كما مر بنا على بكر ابنه شرحبيل وعلى تغلب ابنه سلمة. ونمت فى العصور الإسلامية أساطير حول هذه الحرب وبطلها التغلبى المهلهل أخى كليب، وألفت عنه قصة شعبيا باسم «الزير سالم».
وأما حرب داحس والغبراء فكانت فى أواخر العصر الجاهلى، وكان السبب فى نشوبها سباقا على رهان بين الفرسين، فسميت باسميهما، وكان قد أجراهما سيدا عبس وذبيان: قيس بن زهير وحذيفة بن بدر، وأوشك داحس أن يفوز، غير أن رجلا من ذبيان كان قد كمن له، فاعترضه ونفّره، فعدل عن الطريق.
وبذلك سبقته الغبراء. وأبى قيس أن يعترف بهذا السبق وطلب الرهان المضروب.
وحدث صدام بين الفريقين لم تلبث الحرب أن اندلعت على إثره، وظلت سنوات طويلة حتى تدخل سيدان من ذبيان هما هرم بن سنان والحارث بن عوف المرّى.
فتحملا ديات القتلى. وبذلك وضعت الحرب أوزارها بين القبيلتين ومن كان قد انضم إليهما من الأحلاف، فقد انضمت عامر إلى عبس بينما انضمت تميم وأسد إلى ذبيان. وعلى نحو ما نمت الأساطير حول المهلهل بطل حرب البسوس نمت حول عنترة بطل هذه الحرب، وكان من عبس، فألفت عنه قصة شعبية مشهورة لا نبعد إذا قلنا إنها تحولت إلى إلياذة كبرى للعرب وفروسيتهم الرائعة