بتحية رقيقة، وإنه ليذكر سهام عينيها الفاتنتين ويتضرع إليها مستعطفا لكبده التى أحرقتها بجمرة خدّها الوقاد، ونحس دائما كأنما يتوجع حقا من حريق فكل شئ من صاحبته يلهب صدره وقلبه بنار لا تخمد أبدا حتى الرضاب أو الريق، يقول:
ويلاه من برد رضاب لها ... أشكو إلى العذّال منه الحريق
وهو فى أثناء هذا الحريق الذى يأخذ فؤاده من كل جانب يلتاع لوعات ممضة، كان يروّع منها دائما، فيهتف منشدا أشعاره الوجدانية التى تكتظ بالحنين إلى رؤية صاحبته فى رامة وغير رامة من منازل نجد والحجاز، مثل قوله:
إنّ الألى رحلوا غداة محجّر ... ملئوا القلوب لواعج الأحزان
نزلوا برامة قاطنين فلا تسل ... ما حلّ بالأغصان والغزلان
فلأبعثنّ مع النسيم إليهم ... شكوى تميل لها غصون البان
يا عاذلى فيمن أحبّ جهالة ... عنى إليك فليس شأنك شانى
لم لا أحنّ إلى الحجاز صبابة ... ويجود دمع العين بالهملان
فقد رحلت صاحبته عنه وتركته بحاجر يشكو آلام حبه ولواعج حزنه وأوجاعه، ونزلت رامة فأخجلت بقدّها وجمال عينيها الأغصان والغزلان، ولم يعد له إلا أن يبعث إليها بالسلام مع النسيم، لعلها ترقّ له وتذكره، ويلتفت إلى عذوله ينهاه أن يتعرض له فليس من دربه، وليس ذلك من شأنه، ويتساءل إن كل محب ليصبو قلبه إلى الحجاز ونازليه، ويذرف الدمع مدرارا. لغة سهلة هى لغة الشعر الوجدانى الذى ينساب فى النفس انسيابا. وله قصيدة تفيض بحنين رائع صوّر فيها تصويرا بديعا حزنه لفراق صاحبته كأقوى ما عرف الناس من الحزن للفراق بين المحبين قائلا:
أأحبابنا بنتم عن الخيف فاشتكت ... لبعدكم آصالها وضحاها
كأنكم يوم الرحيل رحلتم ... بنومى فعينى لا تصيب كراها (١)
رعى الله ليلات بطيب حديثكم ... تقضّت وحيّاها الحيا وسقاها
فما قلت إيه بعدها لمسامر ... من الناس إلا قال قلبى آها
متى تنقضى أيام ذلّى وأجتنى ... ثمار وصال قد حرمت جناها
وأستصحب القوم الذين بمهجتى ... لفقدهم نار يشبّ لظاها
(١) الكرى: النوم.