ولزم كثيرين منهم وخاصة الملك الأشرف موسى الأيوبى الذى ظل مستوليا على صولجان الحكم فى دمشق من سنة ٦٢٦ إلى سنة ٦٣٥ وكان يسبغ عليه كثيرا من العطاء الجزل، غير أن التلعفرى كان مغرى بشرب الخمر والقمار، وكان الأشرف موسى يراجعه فى ذلك كثيرا، ولم يكن يصبر عليهما أو يستطيع شيئا من الصبر، وفى ذلك يقول:
أقلعت إلا عن العقار ... وتبت إلا من القمار
فالكأس والقمر ليس يخلو ... منها يمينى ولا يسارى
ولما أعيت الحيل الأشرف موسى معه أمره بمغادرة دمشق، فتركها إلى حلب وصاحبها الملك الناصر الأيوبى، فقرّبه منه، وجعله من جلسائه، وقرّر له راتبا، راجيا أن ينوب ويتوب، غير أنه سرعان ما عاد إلى سيرته السيئة فى دمشق، فكان يشرب ويقامر بكل ما يحصل عليه من مال، حتى قيل إنه قامر بثيابه ونعليه. وعرف ذلك الملك الناصر، فأمر أن ينادى فى حلب من قبل السلطان:«من قامر مع الشهاب التّلعفرىّ قطعنا يده» فضاقت عليه حلب وأرضها بما رحبت وعاد إلى دمشق، وكان الملك الأشرف موسى قد توفى، وظل بها يستجدى ويقامر حتى ساءت حاله سوءا شديدا، ورحل إلى مصر فى هذه الأثناء إذ يقول ابن خلكان إنه لقيه بها سنة ٦٣٨ وعاد منها لا إلى دمشق ولا إلى حلب، بل إلى حماة وصاحبها الملك المنصور، فاحتفى به وأضفى عليه عطاء وفيرا أتاح له بأخرة من حياته عيشا كريما. وظل بحماة حتى وفاته سنة ٦٧٥ وكان آخر ما تلفظ به من شعره قبيل موته.
إذا ما بات من ترب فراشى ... وبتّ مجاور الربّ الكريم
فهنّونى أصيحابى وقولوا ... لك البشرى قدمت على رحيم
وليس فى الديوان مدحة من مدائحه، إلا ما قد يشير إلى بعضها فى الأبيات التى يختتم بها ما احتفظ به من بعض مطالعها، وبذلك يصبح الديوان كله غزلا، وهو غزل من طراز غزل الحاجرى، أو هو بعبارة أدق شعر وجدانى يسيل رقة وعذوبة وسلاسة، وكأنه الماء النمير حلاوة وصفاء ورشاقة ونعومة حتى ليشفع له فيما ابتلى به من القمار، وهو فيه يجرى على هذا النمط الوجدانى الرائع:
أىّ دمع من الجفون أساله ... إذ أتته مع النسيم رساله
سل عقيق الحمى وقل إذ تراه ... خاليا من ظبائه المختاله