للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أين تلك المراشف العسليّا ... ت وتلك المعاطف العسّاله (١)

وليال قضيتها كلآل ... بغزال تغار منه الغزاله (٢)

بابلىّ الألحاظ والرّيق والأل‍ ... فاظ كلّ مدامة سلساله

وسقيم الجفون والخصر والعه‍ ... د فكلّ تراه يشكو اعتلاله

أوقع الوهم حين يرمى فلم ند ... ر يداه أم عينه النبّاله

والقصيدة كلها تموج بهذه الرقة والعذوبة مع الانسياب والتدفق، وكأننا بإزاء جدول يسيل شعراء ووجدا وهياما، مع جمال القافية وحسن الألفاظ وطواعيتها للشاعر، وكأن كلا منها تجذب صاحبتها تريد أن تعانقها عناق ذوى الرحم والقرابة. وتلك الألحاظ والريق والألفاظ لصاحبته جميعا كأنها رحيق مسكر، وما أجمل جمعه بين سقم الجفون وفتورها وهو جمال وحسن فيها، وبين الخصر وسقمه أو نحو له وهو يستحب فيه، وأخيرا بين هذين السقمين وسقم عهد صاحبته فهى تدلّ عليه ولا تفى بوعدها، وهكذا يشكو كلّ سقمه واعتلاله. ودائما يذكر الشعراء سهام العيون وكيف تصمى الأفئدة، وهو يضم إليها سهام الأيدى الفاتنة، فلا يدرى أحد من أين يأتى النبل أمن الأيدى أم من العيون، ويكرر كثيرا أن حاجبى صاحبته قوسان كبيران لا يزالان يرسلان النبل والسهام ويصوّبانهما إلى العاشقين المفتونين. وله يصور ألم الفراق.

إنى لأعجب من محبّ مشغف ... عيشا له من بعد حثّ الأينق

يأيّها الحادى بعودك سالما ... ألا رثيت لشملنا المتمزّق

أرح المطىّ وها فؤادى فاقتبس ... وامنن علىّ وها دموعى فاستق

ليس التعجب من رقادى-إذ مضى- ... فيه ولكن من جميعى إذ بقى

لدلاله ذلّى به ولحبّه ... وهواه ما يلقى الفؤاد وما لقى

فهو يعجب من أن يعيش العاشق الولهان بعد فراق صاحبته، وإنه ليهتف بالحادى أن يريح مطيه، وإذا كان يريد نارا فليقتبسها من فؤاده، أو ماء فليستق من دموعه التى تتدافع سيلا مدرارا. ويأسى لبخته أو حظه إزاء صاحبته ولا يعجب من سهاده فيها، بل يعجب من أن يظل جميعه حيا يتنفس، وإنه ليتذلل ويضرع أسى ووجدا. وكل ذلك شعر وجدانى وقف عليه التلعفرى-مثل أستاذه الحاجرى مواطنه-حياته وشعره، وله موشحة وحيدة مدح بها العزّازى الشاعر الوشاح المصرى احتفظ الديوان بها تامة وهى من


(١) العسليات: المنسوبة إلى العسل، وأراد بالمعاطف القوام. العسالة: اللينة.
(٢) الغزالة: الشمس.

<<  <  ج: ص:  >  >>