للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مستقلة لها مشخصاتها، وسماتها الصرفية وغير الصرفية.

ونضرب مثالا آخر حديثا أثار ضجة واسعة بين المستشرقين، وهو ما زعمه فولرز من أن القرآن الكريم كان فى بادئ الأمر غير معرب، إذ كان بلهجة قريش الدارجة، وهى لهجة-فيما يزعم-كانت غير معربة، وكانت تختلف عن لهجة الشعر الجاهلى الخاضعة لقواعد النحو والعربية، ومضى يقول إن النحاة المتأخرين هم الذين صاغوه فى لغة البدو المعربة. وقد رفض كثير من المستشرقين وعلى رأسهم بوهل ونولدكه وجاير هذا الرأى رفضا باتا (١)، ويقول يوهان فك:

«أما أن أقدم أثر من آثار النثر العربى وهو القرآن قد حافظ أيضا على غاية التصرف الإعرابى فهذا أمر وإن لم يكن من الوضوح والجلاء بدرجة الشعر الذى لا تترك أساليب العروض والقافية مجالا للشك فى إعراب كلماته إلا أن مواقع كلام القرآن الاختيارية لا تترك أثرا للشك فيه كذلك، انظر مثلا آية ٢٨ من سورة فاطر:

{(إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ)} وآية ٣ من سورة التوبة: {(أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ)} وآية ١٢٤ من سورة البقرة: {(وَإِذِ اِبْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ)} وآية ٨ من سورة النساء: {(وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى)} فمثل مواقع الكلمات فى هذه الآيات. . . لا يمكن أن يكون إلا فى لغة لا يزال الإعراب فيها حيا صحيحا.

يضاف إلى ذلك شهادة القرآن نفسه فى مثل آية ١٣٠ من سورة النحل: {(وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ)} وصريح من هذا أنه لم يقم عند محمد ومعشره فرق هام بين لغة القرآن وبين لغة العرب أى قبائل البدو (٢)».

ومما يثبت بطلان رأى فولرز أيضا أنه لم يعرف عن قبيلة عربية من القبائل الشمالية أنها اتخذت لهجة دارجة خالية من قواعد النحو والعربية. وقد نسى أو تناسى أن قراءات القرآن الشريف توقيفية عن الرسول صلى الله عليه وسلم، ولو أنه قرأه على الصحابة فى لهجة غير معربة لقضى على اللهجات المعربة من حوله. وعلى الرغم من وضوح فساد هذا الرأى وبطلانه نجد كاله (Kahle) يحاول أن يدلل على صحته، تارة بما وجده من نصوص متأخرة تحثّ على مراعاة الإعراب فى ترتيل القرآن، وتارة بما يزعمه من أن قرّاء القرآن الأولين رحلوا لمخالطة عرب البادية، حتى


(١) انظر مادة قرآن فى دائرة المعارف الإسلامية وتاريخ القرآن لنولدكه وكتاب العربية ليوهان فك ص ٣ وما بعدها.
(٢) العربية ليوهان فك ص ٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>