للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يفقهوا قواعد شعرهم النحوية والصرفية ويطبقوها على الذكر الحكيم (١) وهو يستمد فى الشطر الثانى لقوله وزعمه من فولرز، أما الشطر الأول فواضح البطلان، لأن هذه النصوص إنما تشير إلى مخافة العلماء فى عصور اللهجات العامية المولدة من أن يهجم بعض العامة على قراءة القرآن قراءة غير معربة.

وإذا رجعنا إلى تاريخ اللغات السامية وعرضنا هذه المسألة تبين لنا أنها تفقد السند التاريخى، فإن الإعراب فى الفصحى ليس خاصة مستحدثة نشأت بين بعض قبائل العرب وفى بعض لهجاتهم البدوية بعد أن لم تكن موجودة وإنما هو خاصة سامية قديمة تشترك فيه مع العربية الأكدية، كما تشترك فى بعضه الحبشية وغيرها من اللغات السامية. وحدث فى سنة ألف وتسعمائة وتسع وعشرين أن اكتشف العلماء فى رأس شمرا بالقرب من اللاذقية نقوشا كثيرة ترجع إلى القرن الخامس عشر قبل الميلاد فى موضع كان يعرف قديما باسم أوجريت (Ugarit) وجدّوا فى حل رموزها، وسرعان ما وجدوها تقرب من اللغات السامية ومن العربية القديمة، فسموها باسم موضعها تمييزا لها، ولا حظوا أن هذه اللغة الأوجريتية يشيع فيها الإعراب مثل العربية، وأيضا فإنهم وجدوا فيها ظواهر المنع من الصرف، وكان المظنون أنه خاصة عربية.

ومعنى ذلك أنه ثبت بين علماء الساميات أن ظاهرتى الإعراب والمنع من الصرف قديمتان فى اللغات السامية وأن العربية احتفظت بهما. بينما فقدتهما مع الزمن أكثر هذه اللغات، فهما ليسا من الظواهر المستجدة، بحيث يمكن أن ينسبا إلى بعض قبائل البدو كما وهم فولرز وكاله، وإنما هما من الظواهر السامية القديمة، وليس بين أيدينا نص واحد يشهد بأن قريشا أو بعض قبائل العرب الشماليين ضعف عندهم الإعراب فأهملوه فى لهجتهم الخاصة، بل كان الإعراب عاما بينهم جميعا فى الشرق والغرب، وفى الحجاز ونجد وغير الحجاز ونجد، فمن الخطأ البين أن يزعم زاعم أن الإعراب كان مهملا فى لغة قريش، فإن ذلك مجرد حدس لا قيمة له.

ومن ظواهر العربية التى أكدت اللغة الأوجريتية أنه قديم ظاهرة التعريف بأل، وهى تقابل حرف الهاء الذى كان يستخدمه العبريون والآراميون فى التعريف،


(١) راجع ما ساقه عبد الحليم النجار من تعليقات فى كتاب العربية المذكور.

<<  <  ج: ص:  >  >>