للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان الأولون يلحقونه ببدء الكلمة والأخيرون يلحقونه بآخرها، وكان أصحاب النقوش الصفوية من قدماء العرب يجارون العبريين فى استخدام هذا الحرف فى التعريف ومثلهم الثموديون واللحيانيون، واستخدم النبط فى نقوشهم أل استخداما واسعا، إذ نراهم يضعونها مع أسماء آلهتهم مثل الله واللات والعزى، وقد تحذف الألف منها فى الكتابة فيكتبون وهب الله وعبد الله هكذا وهب لهى وعبد لهى بإشباع الكسرة ومدها بحيث تتولد منها الياء. ويقول اللغويون إن الأزد يشبعون حركات الإعراب ومعنى ذلك أن الإشباع قديم فى العربية. ويدل حذف الألف فى مثل وهب لهى أن النبط كانوا يسهلون الهمزة ولا يحققونها على نحو ما أثر عن قريش وأهل الحجاز فى عدم تحقيق الهمزة لا فى أل وحدها بل فى كلمات كثيرة، فيقولون فى اسأل:

سل. وكل ذلك معناه أن أداة التعريف فى العربية قديمة وأن تسهيل الهمزة حدث قبل العصر الجاهلى، إذ كانت تميل إليه بعض القبائل العربية ممن كانوا يسكنون فى غربى الجزيرة مثل النبط والحجازيين.

وإذا أخذنا نقارن بين صيغ الفعل فى العربية وصيغه فى اللغات السامية وجدنا همزة التعدية فى صيغة أفعل العربية تشيع فى اللغتين الحبشية والسريانية، بينما تعبر العبرية والسبئية وبعض اللهجات الآرامية عنه بالهاء، فهفعل عندهم تقابل أفعل فى العربية. وكان اللحيانيون والثموديون يستخدمون الصيغتين جميعا. وفى الوقت نفسه نجد النقوش اليمنية ما عدا السبئية، ونقصد المعينية والقبانية والأوسانية والحضرمية تعبر عنه بسفعل وتعبر عنه الأكدية بشفعل واحتفظت العربية على نحو ما نعرف بالسين فى وزن استفعل، ومن ثم ذهب ليتمان إلى أن أداة التعدية كانت فى الأول سينا، ثم صارت شينا فى الأكدية، وصارت السين هاء عند بعض الساميين، ثم صارت الهاء همزة فى العربية والسريانية والحبشية (١). ولعل من الطريف أن من يرجع إلى العربية يجد فيها بقايا من هذه الصيغ جميعا كصيغة هراق الماء بمعنى أراقه. يقول ابن يعيش: «اعلم أنهم قالوا أهراق فمن قال هراق فالهاء عنده بدل من همزة أراق على حد هردت أن أفعل فى أردت ونظائره (٢)» وكأنه كان


(١) انظر مقالة ليتمان عن «بقايا اللهجات العربية فى الأدب العربى» بالجزء الأول من المجلد العاشر فى مجلة كلية الآداب بجامعة القاهرة ص ٢٥ وما بعدها.
(٢) شرح المفصل للزمخشرى ١٠/ ٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>