للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بينهم من يجمع فى التعدية بين الهمزة والهاء، ومن يكتفى بإحداهما فى مثل هذه الكلمة، ويظهر أن هذا كان كثيرا إذ ينص ابن يعيش على أن له نظائر متعددة، فيقولون هراح فى أراح وهنار فى أنار وهكذا. وفى القاموس المحيط الهذروف كعصفور:

السريع، وهذرف: أسرع. ومعنى ذلك أن بين الأسماء صيغا احتفظت بتلك الهاء لأنها اشتقت من أفعالها، يقول صاحب القاموس: «الهجزع كدرهم الجبان لأنه من الجزع».

أما وزن سفعل الذى استخدمته بعض اللهجات العربية الجنوبية القديمة كالمعينية فإن العربية احتفظت به فى صيغة استفعل، وفى المزهر من مزيد الثلاثى هفعل فى مثل هلقم إذا أكبر اللقم وسفعل فى مثل سنبس بمعنى نبس (١)، ويمكن أن يرد إلى هذه الصيغة كثير من الأفعال التى تبتدئ بالسين، كما يرد إلى صيغة هفعل كثير من الأفعال التى تبتدئ بالهاء، فهدر مثلا يمكن أن يكون أصلها در وأضيفت إليها الهاء وخففت الراء، وسكن أصلها كان من كان التامة، ثم حذفت الألف. وبهذا القياس يمكن أن ننعم النظر فى بعض الكلمات المبدوءة بالشين فنردها إلى صيغة شفعل الأكدية، فشسع يمكن أن يكون أصلها شوسع من وسع، وشوّش من وشّ وهكذا. وكأن العربية كانت تستخدم فى بعض أزمنتها القديمة كل هذه الصيغ، ثم تطورت بصيغة هفعل إلى أفعل وآثرتها معرضة عن الصيغ الأخرى لأنها أخف فى النطق وأيسر.

ومن الظواهر التى تتقارب فيها العربية من أخواتها السامية الضمائر، إذ نرى مثلا: أنا تختص بالمتكلم مع زيادة مميزات عددية أو جنسية فى بعض اللغات، بينما تختص التاء بضمير الرفع المتصل، وقد تخلفها الكاف كما فى الأكدية، على نحو ما جاء على لسان بعض الرجاز يهجو ابن الزبير (٢):

يا بن الزبير طالما عصيكا ... وطالما عنّيتنا إليكا

فقال عصيك بدلا من عصيت. وكما تتشابه اللغات السامية فى الضمائر تتشابه فى أسماء الموصول والإشارة، ويدل الاسم الموصول «ذو» عند الطائيين أن الأسماء


(١) المزهر للسيوطى ٢/ ٤٠.
(٢) النوادر فى اللغة لأبى زيد (طبعة بيروت) ص ١٠٥ وأنساب الأشراف للبلاذرى ١١/ ٤٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>