للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أفأستنجده وهو الذى ... لوّن الدمع على صبغته

ولهذا قوسه موترة ... تستمدّ النّبل من مقلته

قمر لا فخر للبدر سوى ... أنه صيغ على صورته

صدغه كرمة خمر قسّمت ... بين خدّيه إلى نكهته

أتخال الخال يعلو خدّه ... نقط مسك ذاب من طرّته

ذاك قلبى سلبت حبّته ... واستوت خالا على وجنته

والقطعة تموج بالصور، فخدّ صاحبته يذوب رقة، وقد لون دموعه بلونه الأحمر القانى، وإن قوس حاجبها لمشدود والنبل فى مقلتها يستمده. وقد بلغت من الجمال وسحره مبلغا عظيما حتى ليفخر البدر بأنه صيغ على صورتها، وكأن صدغيها أو خصلتى الشعر المرسلتين على خديها كرمة خمر قسمت بينهما واستحالت رضابا فى ثغرها يرشفه المحب. ويقول: لا تظن الخال على خدّها نقطة مسك سقطت من طرّة شعرها، بل هو حبّة فؤاده سلبتها من قلبه وأتاحتها لوجنتها الفاتنة.

وتكثر مثل هذه الصور البديعة فى شعره وغزله، من ذلك قوله:

وتوقّدت فى الرّوض من وجناته ... نار الحياء يشبّها ماء الصّبا (١)

وقوله:

وكم له فى كبدى لسعة ... برودها الدّرياق من فيه (٢)

وقوله:

سلّمت فازورّ يزوى قوس حاجبه ... كأننى كأس خمر وهو مخمور

وقوله:

قمر ما طلعت طلعته ... قطّ إلا سجد البدر لها

وغزلياته تتردد بين الجزالة والنصاعة فى الألفاظ وبين الرشاقة والعذوبة، وله قصيدة رائية من مجزوء الكامل فى مملوكه «تتر» أنشدها الحموى فى خزانته تدل على خفة روحه وميله إلى الدعابة، وبحق كان شاعرا بارعا من شعراء زمنه.


(١) يشبها: يوقدها.
(٢) برودها: شرابها، الدّرياق: الترياق الشافى

<<  <  ج: ص:  >  >>