يرفع إلى الرفيق الأعلى إلا بعد ترتيب القرآن وآياته وسوره ترتيبا كاملا. وتلقّاه عنه الصحابة بهذا الترتيب، وكان حفظته يسمّون بالقرّاء. ولما استحرّ القتل بهم فى يوم اليمامة لعهد أبى بكر خشى عمر بن الخطاب أن يستحرّ بهم فى مواطن أخرى، فيذهب قرآن كثير، فدخل على أبى بكر لسنتين من خلافته، فقال له: إن أصحاب رسول الله يتهافتون فى المعارك، وإنى أخشى أن تأتى عليهم.
وهم حملة القرآن فيضيع وينسى، فلو جمعته! ولم يزل عمر يراجعه حتى شرح الله صدره للفكرة ورأى رأيه، وحينئذ عهد إلى زيد بن ثابت-أحد كتبة الوحى الأبرار-بجمعه، فجمعه من العسب واللّخاف وصدور الحفظة المشهود لهم بالإتقان من مثل أبىّ بن كعب وعثمان وعلى وعبد الله بن مسعود وطلحة وحذيفة وأبى هريرة وأبى الدّرداء وأبى موسى الأشعرى وتحريا فى الدقة ومبالغة فى الحيطة أمر أبو بكر أن لا يقبل من حافظ شئ حتى يشهد شاهدان عدلان بصحته وأنه كتب بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولما جمع المصحف حفظ فى بيت أبى بكر، ولما توفى وخلفه عمر انتقل المصحف إليه، وبعد وفاته انتقل إلى حفصة ابنته أم المؤمنين.
وحدث فى عهد عثمان أن أخذ القرّاء فى الأمصار البعيدة يختلفون فى بعض الأداء، ولم يكن بين أيديهم مصحف أبى بكر ليرجعوا إليه، فأفزع ذلك حذيفة بن اليمان الذى كان يغزو فى فتح أرمينية وأذربيجان فهرع إلى عثمان قائلا: إن الناس قد اختلفوا فى القرآن حتى إنى والله لأخشى أن يصيبهم مثل ما أصاب اليهود والنصارى من الاختلاف. فهمّ عثمان الأمر، وأجمع رأيه على أن يكتب للمسلمين إماما يرجعون إليه. وبعث إلى حفصة أن أرسلى إلينا بالمصحف ننسخ منه نسخا، ثم نرده إليك، فأرسلت به إليه، فأمر زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وقال عثمان للرهط القرشيين، وهم الثلاثة الأخيرون: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت فى كتابة شئ من القرآن فاكتبوه بلسان قريش، فإنما نزل بلسانهم، فصدعوا بأمره. وردّ عثمان مصحف أبى بكر إلى حفصة وطابت