للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُعْتَدِينَ). وقد دعا الذكر الحكيم طويلا إلى السلم والسلام فى مثل قوله تعالى:

{(وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ)} {(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اُدْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ)} لذلك لا نعجب إذا كانت تحية الإسلام هى «السلام عليكم».

فالإسلام دين سلام للبشرية يريد أن ترفرف عليها ألوية الأمن والطمأنينة، ومن تتمة ذلك ما وضعه من قوانين فى معاملة الأمم المغلوبة سلما وحربا، فقد أوجب الرسول صلى الله عليه وسلم على المسلمين فى حروبهم أن لا يقتلوا شيخا ولا طفلا ولا امرأة، وعهده (١) لنصارى نجران من أروع الأمثلة على حسن المعاملة لأهل الذمة، فقد أمر أن لا تمسّ كنائسهم ومعابدهم وأن تترك لهم الحرية فى ممارسة عباداتهم. ومضى الخلفاء الراشدون من بعده يقتدون به فى معاملة أهل الذمة معاملة تقوم على البر بهم والعطف عليهم. ومن خير ما يصور هذه الروح عهد عمر بن الخطاب لأهل بيت المقدس فقد جاء فيه أنه «أعطاهم أمانا لأنفسهم وأموالهم وكنائسهم وصلبانهم. . . لا تسكن كنائسهم ولا تهدم ولا ينتقص منها ولا من حيّزها ولا من صليبهم ولا من شئ من أموالهم ولا يكرهون على دينهم ولا يضارّ أحد منهم» (٢). وكان هذا العهد إماما لكل العهود التى عقدت مع نصارى الشام وغيرهم.

والحق أن تعاليم الإسلام السمحة لا السيف هى التى فتحت الشام ومصر إنى الأندلس، والعراق إلى خراسان والهند، فقد كفل للناس حريتهم لا لأتباعه وحدهم، بل لكل من عاشوا فى ظلاله مسلمين وغير مسلمين وكأنه أراد وحدة النوع الإنسانى، وحدة يعمها العدل والرخاء والسلام.


(١) انظر السيرة النبوية (طبعة الحلبى) ٤/ ٢٣٩ وما بعدها و ٤/ ٢٤١ وما بعدها، وقارن بفتوح البلدان للبلاذرى (طبع المطبعة المصرية بالأزهر) ص ٧٦.
(٢) تاريخ الطبرى (طبع مطبعة الاستقامة بالقاهرة سنة ١٩٣٩) ٣/ ١٠٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>