للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ودائما يلفت الذكر الحكيم إلى سمو الإنسان، وأنه يفضل سائر المخلوقات فقد خلق فى {(أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ)، } وسوّى وعدّل وركّب فى أروع صورة، ووهب من الخواص الذهنية ما يحيل به كل عنصر فى الطبيعة إلى خدمته، يقول جلّ شأنه: {(وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلاً).} ويذكر القرآن فى غير موضع أن الإنسان خليفة الله فى الأرض {(وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً)} {(وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ)} فالإنسان خليفة الله فى أرضه ووكيله فيها، خلقه ليسودها، ويخضع كل ما فى الوجود لسيطرته.

وقد مضى الإسلام يعتدّ بحرية الإنسان وكرامته وحقوقه الإنسانية إلى أقصى الحدود، وقد جاء والاسترقاق راسخ متأصل فى جميع الأمم، فدعا إلى تحرير العبيد وتخليصهم من ذل الرق، ورغّب فى ذلك ترغيبا واسعا، فانبرى كثير من الصحابة، وعلى رأسهم أبو بكر الصديق، يفكّون رقاب الرقيق بشرائهم ثم عتقهم وتحريرهم. وقد جعل الإسلام هذا التحرير تكفيرا للذنوب مهما كبرت، وأعطى للعبد الحقّ الكامل فى أن يكاتب مولاه، أو بعبارة أخرى أن يستردّ حريته نظير قدر من المال يكسبه بعرق جبينه {(وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتابَ مِمّا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ فَكاتِبُوهُمْ. .} {وَآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللهِ الَّذِي آتاكُمْ).} وقد حرّم الإسلام بيع الأمة إذا استولدها مولاها، حتى إذا مات ردّت إليها حريتها. وكانوا فى الجاهلية يسترقون أبناءهم من الإماء، فأزال ذلك الإسلام، وجعلهم أحرارا كآبائهم.

ووسّع الإسلام حقوق الإنسان واحترمها فى الدين نفسه إذ نصّت آية كريمة على أن {(لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ)} فالناس لا يكرهون على الدخول فى الإسلام، بل يتركون أحرارا وما اختاروا لأنفسهم. وبذلك يضرب الإسلام أروع مثل للتسامح الدينى، يقول تبارك وتعالى: {(وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النّاسَ حَتّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ).} وحقّا اضطرّ الرسول صلى الله عليه وسلم إلى امتشاق الحسام، ولكن للدفاع عن دين الله لا للعدوان، يقول جلّ وعز: {(وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ}

<<  <  ج: ص:  >  >>