قبور الورى تحت التراب وللهوى ... رجال لهم تحت الثياب قبور
وعندى دموع لو بكيت ببعضها ... لفاضت بحور بعدهن بحور
وكان يؤمن بالفناء فى الذات الإلهية مثل أستاذه الجنيد، ولكن لم يكن يفنى فيه عن نفسه الواعية، فتصوفه دائما تصوف صحو لا تصوف غيب، وإن بدا فى كلامه أحيانا أن فناءه إنما يكون فى حال غيبة من مثل قوله وقد سئل: متى يكون العارف بمشهد الحق؟ فأجاب: إذا بدا الشاهد وفنيت الشواهد وذهبت الحواس واضمحلّ الإحساس»، وذكر عنه أنه كان يقول:«هذا مجنون بنى عامر كان إذا سئل عن ليلى يقول: أنا ليلى، فكان يغيب بليلى عن ليلى حتى يبقى بمشهد ليلى ويغيّبه عن كل معنى سوى ليلى، ويشهد الأشياء كلها بليلى». ولكن ينبغى ألا نظن من مثل هذا القول أنه كان يؤمن بانمحاء التفرقة بين الشاهد والمشهود مثل الحلاّج، إنما يريد الإحساس بالفناء فى الذات العلية، ومن طريف ماله من ذلك قوله:
تسرمد (١) ... وقتى فيك فهو مسرمد
وأفنيتنى عنى فعدت محدّدا
وكلّى بكلّ الكلّ وصل محقّق ... حقائق حقّ فى دوام تخلّدا
وقوله:
تغنّى العود فاشتقنا ... إلى الأحباب إذ غنّى
وكنّا حيثما كانوا ... وكانوا حيثما كنّا
وكان ينكر كل ما تورط فيه الحلاج من شعوذات ونيرنجيات مما رواه عنه بعض مريديه، وتتردد على لسانه كثيرا كلمة السكر، وسأله سائل: هل شاهد الله أحد بحقيقته؟ فقال: الحقيقة بعيدة، ولكن ظنون وأمانىّ وحسبان.