وكان الشبلى فى تصوفه دائما سنيا، فلم يكن يزعم لنفسه حال غيبة ولا ابتعد عن ظاهر الشريعة، ويقال إنه سئل من أسعد أصحابك بصحبتك؟ فقال:
أعظمهم لحرمات الله وألهجهم بذكر الله وأقومهم بحق الله وأسرعهم مبادرة فى مرضاة الله وأعرفهم بقضائه وأكثرهم تعظيما لما عظّم من حرمة عباده. وكان يقول إن الله موجود عند الناظرين فى صنعه مفقود عند الناظرين فى ذاته، وسأله سائل: هل يتحقق العارف بما يبدو له؟ فقال: كيف يتحقق بما لا يثبت؟ وكيف يطمئن إلى ما لا يظهر؟ وكيف يأنس بما يخفى؟ ولم يلبث أن قال:
فمن كان فى طول الهوى ذاق سلوة ... فإنى من ليلى لها غير ذائق
وأكثر شئ نلته من نوالها ... أمانىّ لم تصدق كلمحة بارق
فهو لم يكن يقول حتى بالشهود فضلا عن الحلول والاتحاد. وكان ينكر كل ما قيل، أو بعبارة أدق كل ما قاله الحلاج عن تجلى الله فى عبيده ومخلوقاته، فالله واجب الوجود وخالق العالم شئ والعالم بكل ما فيه من مخلوقات شئ آخر، وهو يخاطب ولكن لا يرى ولا يشاهد، يقول:
وخاطبت موجودا بغير تكلّم ... ولا حظت معلوما بغير عيان
وكان يقول:«تعززت به وما افترقنا وكيف نفترق ولم يجر علينا حال الجمع أبدا». وكان يتحدث كثيرا عن الأحوال والمقامات، ويبدئ ويعيد فى الحديث عن حبه، ومن قوله:«أدخلت المارستان كذا وكذا مرة، وأسقيت الدواء كذا وكذا مرة، فلم أزدد إلا جنونا»، وكثيرا ما كان ينشد قوله:
جرى حبّك فى قلبى ... كجرى الماء فى العود
وقوله:
هذه دارهم وأنت محبّ ... ما بقاء الدموع فى الآماق
ويطيل الحديث عن عذابه فى حبه وما يتحمل فيه من أهوال وما يسكب من دموع غزار، حتى فى العيد، فالناس فيه يفرحون ويعدّون الراح والريحان وآلات الطرب، أما هو فيفضى إلى حزن شديد ونوح وتعديد، حتى لكأنما يحمل تحت