المالكية الذى كان يعتنقه أهل الإسكندرية ومحافظة البحيرة القريبة منها. وعاد إلى العراق، فقرّبه منه الموفّق-ولى عهد المعتمد وصاحب الأمر من دونه فى خلافته- واتخذه حاجبا له، ثم ولاّه دنباوند بالقرب من الرّىّ ويحدث منه ما يجعل أمير الرى التابع له يصرفه عن عمله. وكان ذلك نعمة كبرى عليه، فإنه انصرف إلى مجالس المتصوفة وخاصة مجلس خير النسّاج تلميذ السّرىّ السقطى، وأبى حمزة البغدادى وعلى يديه تاب وأناب. ولم يلبث أن لحق بالجنيد أستاذ الصوفية ببغداد حينئذ، ويقال إنه عاد إلى ولايته يستسمح الناس ويطلب منهم العفو إن كان قد أساء إلى أحد منهم وفرّق أمواله فى الفقراء، ورجع إلى الجنيد فأخذه برياضات ومجاهدات عنيفة، ويذكرون أنه قال له فى أول سلوكه الطريق:«لقد حدثونى أن عندك جوهرة العلم الربّانى. فإما أن تمنحنيها، وإما أن تبيعنيها؟ فقال له الجنيد: لا أستطيع أن أبيعكها فما عندك ثمنها، وإن منحتها لك أخذتها رخيصة فلا تعرف قدرها، ألق بنفسك غير هيّاب فى عباب هذا المحيط مثلما فعلت، فعلّك-إن صبرت-أن تظفر بها». ومضى الشبلى يجاهد ويضنى فى جهاده ويشقى طوال حياة شيخه الجنيد حتى إذا توفى سنة ٢٩٧ صحب الحلاج، وكان يزوره فى سجنه، ولكنه لم يعتنق مذهبه الذى صوّرناه آنفا وما اتصل به من أفكار اللاهوت والناسوت والحلول والاتحاد ورفع التكاليف الشرعية، فقد كان يصل بقوة بين الحقيقة أو الحقائق الصوفية والشريعة متابعا أستاذه الجنيد فى اتباع الكتاب والسنة، بل فى التفقه ورواية الحديث النبوى، وبذلك لم يترك الحلاج فيه أى أثر. ويزعم بعض من تحدثوا عنه من القدماء أنه كان شيعيّا، وقد عرفنا آنفا أنه كان مالكى المذهب، وهو لذلك يسلك مع أهل السنة. ويقال إنه لما قتل الحلاج خشى على نفسه لتردده عليه، فتظاهر بالخبل لئلا يمتحن، وأدخل المارستان، ثم خرج منه، وتفرّغ للوعظ، فكان ينعقد له مجلس أيام الجمع، يحضره الناس على تفاوت طبقاتهم، وكان يحضره على بن عيسى وزير المقتدر، وذاع صيته، فكان يقصده الطلاب والمتصوفة من كل فجّ.
وما زال يحتلّ ببغداد هذه المكانة العليّة حتى توفى سنة ٣٣٤ للهجرة عن سبعة وثمانين عامّا.