للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أنكرت ما فيه، وبنت على هدّم مبانيه، ونقض معانيه، وعرّفت الورد بما عليه، فيما نسب إليه. . وكتبت إلى الأقحوان والخيرىّ الأصفر كتابا قالت فيه: لا ندرى لأى شئ أوجبت الأزهار تقديمه، بما غيره أشكل له وأحقّ به وهو نور البهار، البادى فضله بدوّ النهار، والذى لم يزل عند علماء الشعراء، وحكماء البلغاء، مشبّها بالعيون التى لا يحول نظرها، ولا يحور حورها، وأفضل تشبيه للورد، بنضرة الخدّ، عند من تشيّع فيه، وأشرف الحواسّ العين، إذ هى على كل منوّل عون، وليس الخدّ حاسّة، فكيف تبلغه رئاسة:

أين الخدود من العيون نفاسة ... ورئاسة لولا القياس الفاسد»

واستمر حبيب فى هذه الرسالة طويلا، وختمها بمبايعة الأزهار للبهار بتفضيله على الورد. وله من رسالة إلى أبيه:

«لما خلق الرّبيع من أخلاقك الغرّ، وسرق زهره من شيمك الزّهر، حسن فى كل عين منظره، وطاب فى كل سمع خبره، وتاقت النفوس إلى الراحة فيه، ومالت إلى الإشراف على بعض ما يحتويه من النّور الذى كسا الأرض حللا، لا يرى الناظر فى أثنائها خللا، فكأنها نجوم نشرت على الثّرى، وقد ملئت مسكا وعنبرا، إن تنسّمتها فأرجة، أو توسّمتها فبهجة، تروق العيون أجناسها، وتحيى النفوس أنفاسها. . فأوجد لى سبيلا إلى إعمال بصرى فيها، لأجلو بصيرتى بمحاسن نواحيها، فالنفوس تصدأ كما يصدأ الحديد، ومن أجمّها (١) فهو السّديد الرشيد».

وواضح فى الرسالة لطف الابن لأبيه، مع حسن تأتّيه وجمال وصفه للربيع وشغفه بمشاهد نواويره البديعة. وله من رسالة إلى بعض إخوانه يستدعيه للمتعة معه والأنس به فى منظر فاتن من مناظر الربيع، يقول:

«قد علم سيدى أن بمرآه يكمل جذلى، ويدنو أملى، وقد حللت محلاّ عنى الجوّ بتحسينه، وانفرد الربيع بتحصينه، فكساه حللا من الأنوار، بها ينجلى صدأ البصائر والأبصار، فمن مكموم (٢) يعبق مسكه، ولا يمنعه مسكه، ومن باد يروق مجتلاه، ويفوق مجتباه، فى مرآه وريّاه، فتفضّل بالخفوف (٣) نحوى لنجدّد من الأنس مغانى (٤) درست،


(١) أجمها: أراحها.
(٢) مكموم: أى زهر مستور فى كمّه.
(٣) الخفوف: الإسراع.
(٤) مغانى: منازل. درست: عفت وذهب أثرها.

<<  <  ج: ص:  >  >>