للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ليعدون بالمئات. وخلفت الدولة الرستمية دولة بنى حماد واتسع سلطانها، فشمل الجزائر أو أكثرها، وقد بنى حماد مؤسسها قلعة سنة ٣٩٨ على منحدر جبلى بالقرب من المسيلة (المحمدية) وسرعان ما أصبحت مدينة عربية ضخمة، يقول ابن خلدون فى الجزء السادس من تاريخه إن «حمادا استكثر فى القلعة من المساجد والفنادق فاستبحرت فى العمارة واتسعت فى التمدن ورحل إليها من الثغور القاصية والبلدان البعيدة طلاب العلوم وأرباب الصنائع لرواج أسواق المعارف والحرف والصنائع بها» وظلت-من حينئذ-مركزا كبيرا للدراسات الدينية واللغوية، حتى بعد انتقال الناصر الحمادى منها سنة ٤٧٣ هـ‍/١٠٨٠ م إلى عاصمته الجديدة: بجاية وكان كثير من أبنائه وأحفاده يكرمون العلماء ويعقدون لهم مناظرات فى مجالسهم وبعثوا فى القلعة ثم فى بجاية نهضة علمية وأدبية، وأمّ حاضرتيهما بعض العلماء والشعراء المرموقين من أمثال ابن حمديس مادح المنصور بن الناصر بن علناس (٤٨١ - ٤٩٨) بالقصائد الطنانة فى مدحه ووصف قصوره، واشتهر ابنه العزيز (٤٩٨ - ٥١٨ هـ‍) بأن بلاده كانت سلاما وأمنا وأن العلماء-كما يقول ابن خلدون-كانوا يتناظرون فى مجالسه وقد بذل جهودا خصبة فى إنماء الحركة العلمية ببجاية، حتى أصبحت مركزا علميا ضخما لا بعلمائها المحليين فحسب، بل أيضا بوفود العلماء المنتقلين إليها من القلعة ووفودهم اللاجئة إليها من الأندلس والبلاد المغربية، واطردت هذه المكانة العلمية لبجاية بعد سقوط دولة بنى حماد سنة ٥٤٧ هـ‍/١١٥٢ م إذ اشتهرت بها طائفة أو طوائف من العلماء والأدباء وظل يفد عليها غير عالم وأديب وخاصة من الأندلس، ويوضح ذلك كتاب عنوان الدراية فى علماء بجاية للغبرينى إذ ترجم فيه لأكثر من مائة عالم من علماء بجاية فى القرنين السادس والسابع للهجرة، وهؤلاء هم المشهورون ووراءهم كثيرون لم يبلغوا مبلغهم فى الشهرة. ويدل على كثرة غير المشهورين ما رواه الغبرينى عن أبى على المسيلى المتوفى سنة ٥٨٠ هـ‍/١١٨٤ م من أنه قال: «أدركت ببجاية ما ينيف على تسعين مفتيا» ويعلق الغبرينى على كلمته بقوله: وإذا كان من المفتين ببجاية تسعون فكم يكون من المحدثين ومن النحاة والأدباء وغيرهم ممن تقدم عصرهم ممن لم يدركهم. وظلت النهضة العلمية بها مزدهرة فى القرون التالية وزارها الحسن الوزان حوالى سنة ٩٢٥ هـ‍/١٥١٩ م وقال إنها «مجهزة بالجوامع بشكل طيب وبالمدارس التى يكثر فيها الطلاب وأساتذة الشريعة والعلوم سوى الزوايا للنساك المتعبدين».

ومنذ سنة ٦٣٣ هـ‍/١٢٤٠ م تنشأ فى تلمسان دولة بنى زيان، وقد بثّت فيها نهضة علمية وأدبية رائعة، ويقول التنسى فى كتابه تاريخ بنى زيان ملوك تلمسان عن مؤسس الدولة: يغمراسن (٦٣٣ - ٦٨١ هـ‍) إنه كان له فى أهل العلم رغبة عالية يبحث عنهم أينما كانوا ويستقدمهم إلى بلده ويقابلهم بما هم أهله، وممن استقدمهم إبراهيم بن يخلف

<<  <  ج: ص:  >  >>