للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التنسى وأقطعه إقطاعات واسعة، ولما اشتهرت عنايته بأهل العلم والأدب وفد عليه من الأندلس أبو بكر بن خطاب الكاتب، فأكرمه، وجعله رئيس ديوانه. ويقول التنسى عن حفيده أبى حمو موسى الأول (٧٠١ - ٧١٨ هـ‍) إنه كان محبا للعلم وأهله معتنيا به قائما بحقه، ولما وفد عليه الفقيهان أبو زيد وأبو عيسى ابنا الإمام محمد بن عبد الله من أهل برشك بالقرب من تنس على الساحل الشمالى للجزائر احتفل بهما، وبنى لهما المدرسة التى سميت مدرسة أولاد الإمام فنشرا بتلمسان كثيرا من العلوم، وكان ابنه أبو تاشفين حفيّا مثله بالعلم وأهله ولما وفد عليه الفقيه أبو موسى عمران المشدالى الزواوى احتفى به وولاه التدريس بمدرسته التاشفينية الجديدة. وكان على شاكلته أبو حمو موسى الثانى (٧٦٠ - ٧٩١ هـ‍) فى رعاية العلم والعلماء، وكان أديبا وشاعرا بارعا وله كتاب نظم السلوك فى سياسة الملوك ضمنه بعض أشعاره، وهو أول من احتفل من ملوك الدولة بليلة المولد النبوى، وبلغ من احتفائه بالفقيه أبى عبد الله محمد بن أحمد الإدريسى أن بنى له مدرسة ليلقى فيها دروسه. ويشيد التنسى بأبى زيان محمد بن أبى حمو (٧٩٦ - ٨٠١ هـ‍) قائلا إنه «كلف بالعلم حتى صار منهج لسانه وروضة أجفانه، فلم تخل حضرته من مناظرة ولا عمرت إلا بمذاكرة ومحاضرة، وكتب بيده نسخا من القرآن الكريم ونسخة من صحيح البخارى ونسخا من كتاب الشفا بتعريف حقوق المصطفى للقاضى عياض، ووقفها جميعا بخزانته فى مقدم الجامع الأعظم أو الكبير بتلمسان، وألف كتابا نحا فيه نحو التصوف، سماه «كتاب الإشارة فى حكم العقل بين النفس المطمئنة والنفس الأمارة» ووجه هدية إلى برقوق سلطان مصر ومعها قصيدة بديعة. وينوه التنسى بأبى مالك عبد الواحد (٨١٤ - ٨٣٣ هـ‍) قائلا: «فى أيامه نفق (راج) سوق الأدب، وجاء بنوه إلى بابه ينسلون (يسرعون) من كل حدب (موضع) فينقلبون بجر (مملوئى) الحقائب ظافرين بجزيل الرغائب (بوافر العطايا). ونرى يحيى بن خلدون فى كتابه «بغية الرواد فى ذكر الملوك من بنى عبد الواد يعدّد من أنجبته تلمسان أو استقر بها من العلماء الصالحين ويبلغ بهم مائة وتسعة وجمهورهم من العلماء الذين دوّى صيتهم، وإذا كان عددهم قد بلغ ذلك فى عهد يحيى بن خلدون المتوفى فى أواسط عصر الدولة الزيانية حول سنة ٧٨٠ هـ‍/١٣٧٨ م فإن عددهم-لا شك-تضاعف بعده، وبلغ بعددهم بعده ابن مريم فى أوائل القرن الحادى عشر الهجرى فى كتابه: «البستان فى ذكر الأولياء والعلماء بتلمسان» مائة واثنين وخمسين عالما. وأخذت تلمسان-كما أخذت بجاية- تتراجع علميا وثقافيا فى العهد العثمانى، إذ أصبحت مدينة الجزائر العاصمة، وأخذت تجذب إليها العلماء والأدباء وإن ظلوا مبثوثين فى عاصمتى بنى حماد وبنى زيان وبونة وبسكره وغيرها، وخاصة قسنطينية إذ ظل بها فى العهد العثمانى نشاط علمى غزير.

<<  <  ج: ص:  >  >>