يا رسول الله ومن خلفاؤك؟ قال: الذين يروون أحاديثى ويعلمونها الناس (١)».
وكان كثيرا ما يقول للوفود: احفظوا أحاديثى واخبروا بها من وراءكم من العشائر، وتتكرر فى خطبة حجة الوداع المشهورة:«ألا فليبلغ الشاهد منكم الغائب». وكان يرسل فى القبائل رسله ليعلموهم القرآن وسنته. ومرّ بنا أنه لما أرسل معاذ بن جبل إلى اليمن سأله: بم تقضى؟ فقال: بكتاب الله، فقال:
فإن لم تجد؟ قال: فبسنة رسوله. فالحديث كان متداولا فى حياة الرسول وكان الرسول يأمر بنشره وإذاعته فى الناس، حتى يقفوا على أوامر الدين ونواهيه وما أخذهم به من آداب ونظم.
ولما توفّى الرسول وانتشر الصحابة فى الأمصار الإسلامية أخذوا يبلّغون كتاب الله وسنة رسوله أينما ذهبوا، وكادوا لا يتركون صغيرة ولا كبيرة من أفعاله وأقواله إلا أحصوها وتناقلوها، واشتهر من بينهم جماعة بكثرة ما روى عنهم فى هذا الباب مثل أبى هريرة وعائشة وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عمرو وابن عباس وأنس بن مالك، وكثير غيرهم. حتى إذا ذهب الصحابة خلفهم التابعون يحكون ما سمعوه منهم. وبذلك أخذ الحديث ينتقل من جيل إلى جيل، فالمحدّث يقول: سمعت من فلان عن فلان أو حدثنى أو أخبرنى أو أنبأنى. ومن ثمّ تكوّن سند الحديث وتكونت السلاسل الطويلة من رواته، تلك السلاسل التى تضخمت مع مر الزمن بعامل طول المسافة بين المحدّث ومن ينقل عنهم حتى عصر الرسول. وقد يكون للحديث الواحد أكثر من سند بسبب تفرّق الصحابة فى الأرض، وبذلك تعددت طرق رواية الحديث، كما تعدد حاملوه، وأصبح يحتوى متنا وسندا يطول ويقصر. وطبيعى أن يسمّى حديثا لأنه كان يعتمد على الرواية والنقل الشفوى، وهو يسمّى أيضا السنة، وهى فى اللغة العادة ويراد بها العادة المقدسة التى رويت عن النبى وصحابته، وهى تستعمل فى القرآن بمعنى تقاليد الأسلاف الأولين وقد حوّلها المسلمون إلى التقاليد التى حكيت عن الرسول وصحبه.
ومما لا ريب فيه أن بعض أحاديث الرسول دوّن فى حياته، وخاصة تلك
(١) انظر فى هذا الحديث مقدمة القسطلانى على البخارى.