للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التى تتصل بالزكاة حين كان يكتب إلى بعض الأقوام يبيّن لهم فرائض دينهم، على نحو ما نجد ذلك فى بعض كتبه المأثورة (١). ورخّص النبى فى بعض الأحوال لنفر من الصحابة أن يكتبوا حديثه، فقد أذن لرجل من الأنصار شكا إليه سوء حفظه لما يسمع منه أن يستعين على حفظه بيمينه (٢)، وعن رافع بن حديج قال:

«قلنا يا رسول الله إنا نسمع منك أشياء أفنكتبها؟ قال: اكتبوا ولا حرج (٣)»، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكتب ما يسمع من حديث فأذن له (٤)، وكان يسمّى صحيفته التى كتبها عن الرسول الصادقة (٥). وفى بعض الأحاديث أن الرسول أمر أصحابه أن يكتبوا لرجل يمنىّ خطبة سمعها منه، تضمنت بعض الأحكام الدينية (٦). على أنه ينبغى أن لا نبالغ فى تصور ما كان من هذه الكتابة لحديث الرسول فى حياته، فإنها كانت محدودة جدّا، وكان الرسول ينهى أن تصبح كتابة حديثه عامة، حتى لا يختلط بالقرآن، وهذا هو السبب فيما أثر عنه من أقوال تنهى عن تدوين حديثه من مثل قوله لأصحابه: «لا تكتبوا عنى شيئا إلا القرآن فمن كتب شيئا فليمحه» (٧).

ومما يدل دلالة قاطعة على أن جمهور الحديث لم يكتب على عهد الرسول أن نجد عمر بن الخطاب يستشير الصحابة فى كتابته، وطفق يستخير الله فيها شهرا ثم أصبح يوما وقد عزم الله له فقال: إنى كنت أردت أن أكتب السّنن وإنى ذكرت قوما كانوا قبلكم كتبوا كتبا فأكبّوا عليها وتركوا كتاب الله تعالى، وإنى والله لا ألبس كتاب الله بشئ أبدا» (٨). فترك كتابة السنن، وتبعه كثير من الصحابة يروون الحديث ويكرهون أن يكتبه سامعهم مثل زيد بن ثابت وأبى هريرة وأبى سعيد الخدرى وأبى موسى الأشعرى، واقتدى بهم كثير من التابعين وإن كانت أخذت تظهر عند بعضهم بوادر كتابته، ولكنه على كل حال لم يدوّن فى القرن الأول للهجرة تدوينا عامّا: وظل الأمر على ذلك حتى تولى عمر بن عبد العزيز


(١) انظر فى ذلك مجموعة الوثائق السياسية فى العهد النبوى والخلافة الراشدة لحميد الله (طبع لجنة التأليف والترجمة والنشر).
(٢) تقييد العلم للخطيب البغدادى (طبعة يوسف العش) ص ٦٥.
(٣) تقييد العلم ص ٧٢.
(٤) تقييد العلم ص ٧٤ وما بعدها.
(٥) تقييد العلم ص ٨٤.
(٦) نفس المصدر ص ٨٦.
(٧) تقييد العلم ص ٢٩ وما بعدها.
(٨) نفس المصدر ص ٤٩ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>