وثالث آثاره أنه هذّب اللغة من الحوشية ومن اللفظ الغريب، فأقامها فى هذا الأسلوب المعجز من البيان والبلاغة، ويكفى أن تعود إلى معلقة مثل معلقة لبيد أو إلى شعر قبيلة مثل هذيل وديوانها المطبوع لترى كيف أنه حقّا اختطّ أسلوبا جزلا، له رونق وطلاوة، مع وضوح القصد والوصول إلى الغرض من أقرب مسالكه. وهو أسلوب ليس فيه زوائد ولا فضول، فاللفظ على قدر المعنى، وكأنما رسم له رسما، وهو لفظ لا يرتفع عن الأفهام ولا عن القلوب، بل يقرب منها حتى يلمس الشغاف. ومما لا شك فيه أن القرآن هو الذى ابتدع هذا الأسلوب المحكم، بل هذا الأسلوب السهل الممتنع الذى يلذ الآذان حين تستمتع له والأفواه حين تنطق به والقلوب حين تصغى إليه، هذا الأسلوب الذى يميز عربيتنا، والذى استطاع أن يفتح القلوب حين فتح العرب الأمصار فإذا أهلها مشدوهون، وإذا هم يهجرون لغاتهم المختلفة إلى لغته الصافية الشفّافة.
واقرأ فى قوارعه حين يتحدث عن البعث والحساب والعذاب وفى ملاطفاته حين يتحدث عن الرحمة والمغفرة أو حين يتحدث إلى رسوله فإنك ستجد الأسلوب دائما مطردا فى جودة الإفهام وروعته مع سهولة اللفظ ومتانته وسلامته من التكلف، وانظر إلى قوله تعالى يتوعد المشركين وما ينتظرهم يوم يبعثون: