للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان بجانب العقيدة الاثنى عشرية فى العراق عقيدتان أخريان شيعيتان، إحداهما متطرفة غاية التطرف حتى ليتبرأ منها الشيعة الاثنا عشرية، والثانية معتدلة غاية الاعتدال، أما المتطرفة ففرقة النّصيرية كان لها أتباع فى مدينتى عانة والحديثة، وهم فى الحق مسلمون اسما فحسب، أما بعد ذلك فهم خارجون على الإسلام إذ عدّوا على بن أبى طالب وأبناءه آلهة وعبدوهم من دون الله، واتخذوا لأنفسهم كتابا عدّوا القرآن ثانويا بالقياس إليه.

وطبيعى، أن يرفضوا بعض أركان الشريعة الإسلامية، وقد أنزلوا الرسول صلى الله عليه وسلم منزلة دون منزلة على، كبرت كلمة تخرج من أفواههم الآثمة، ويقول جولد تسيهر إن عقيدتهم تحمل كثيرا من عناصر الوثنية الآسيوية القديمة (١). وحرى بنا أن نلاحظ أنه كان يندسّ بين الإمامية بعض النّصيرية وبعض الشيعة الغالين أو بعبارة أدق الرافضة، وخاصة من يرفعون عليا إلى مرتبة ربّانية. ونجد أحد خطباء الشيعة ببغداد فى عام ٤٢٠ للهجرة يدعو فى خطبة الجمعة بعد الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم فيقول: «وعلى أخيه أمير المؤمنين على ابن أبى طالب مكلم الجمجمة، ومحيى الأموات، البشرى، الإلهى، مكلم فتية أصحاب الكهف (٢)». وكأنه يؤمن بأن عليا صورة جديدة لعيسى عليه السّلام، اجتمع فيه اللاهوت والناسوت مما يتيح له فى رأيه إحياء الموتى والخلود من أول الزمان. وهى نفس عقيدة النصيرية فيه إذ ذهبت إلى أن فيه جزءا إلهيا وأنه كان موجودا قبل خلق السموات والأرض، وأن الإله ظهر بصورته وخلق بيديه وأمر بلسانه (٣) إلى غير ذلك من كفر ما وراءه كفر.

وعلى عكس النصيرية كانت هناك فرقة معتدلة أشد الاعتدال، هى فرقة الزيدية التى نشأت فى الكوفة على يد زيد بن على زين العابدين بن الحسين، وقد ظل لها فى هذا العصر أنصار عديدون فى تلك المدينة، وكانوا لا يقصرون الإمامة على أشخاص معينين من أبناء الحسين كما ذهب الإمامية، بل يرونها حق كل علوى فاطمى ما دام له من الاستعداد الروحى ما يؤهله للإمامة، وكانوا ينكرون فكرة الإمام الغائب التى آمنت بها الإمامية وما يطوى فيها من نظرية الرجعة وأيضا فكرة العصمة، وأيضا لم يضيفوا إلى الإمام فكرة العلم الباطنى المتوارث وما يطوى فيها من صفات روحية قدسية تضفى على الإمام، فيكفى


(١) العقيدة والشريعة فى الإسلام لجولدتسهير ص ١٨٤، ٢٢١.
(٢) المنتظم فى حوادث سنة ٤٢٠ وانظر الحضارة الإسلامية لآدم مينز (طبعة القاهرة) ١/ ٨٢.
(٣) الملل والنحل للشهرستانى بتحقيق محمد سيد كيلانى (نشر مكتبة مصطفى الحلبى) ١/ ١٨٨ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>