والعمل الثانى من شعره التعليمى ديوان الصادح والباغم، والصادح: رافع صوته بالطرب والباغم خافض الصوت فى لين. والديوان أراجيز قصصية مزدوجة، أو قل كثرته قصص ثم يليها وعظ خلقى وحكم متعاقبة. وقد طبع الديوان فى القاهرة وبيروت ولكنو فى الهند. وهو يستهله بالحمد لله والصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم، ويقول:
هذا كتاب فيه علم وأدب ... يفوق أنواع القريض والخطب
عملته لسيّد الملوك ... وموئل الملهوف والصّعلوك
فجاء مثل الذهب المسبوك ... سلكت نهجا ليس بالمسلوك
وضعته مخترعا معناه ... لملك ما خاب من رجاه
ويصرح باسم الملك وهو صدقة بن منصور الأسدى صاحب الحلة المتوفى سنة ٥٠١ وقد مضى يمدحه طويلا، حتى إذا تمّ الديوان سيّره إليه من كرمان مع ولده فأجزل صلته وأسنى جائزته. ويمضى ابن الهبّارية فى الديوان بعد تقديمه لصدقة ومديحه فيذكر مناظرة بين هندى وفارسى استمع إليها فى أحد أسفاره، وفيها يفتخر كل منهما لوطنه، أما الهندى فافتخر باختراع بلاده للشطرنج ووضعها لكليلة ودمنة، وأما الفارسى فافتخر باختراع بلاده للنّرد. وتتوالى القصص، وقليل منها الذى يشبه كليلة ودمنه فى جريانه على ألسنة الحيوانات والطير. ونقرأ قصة الناسك واللص الفاتك، والبعير والجمال والتاجر، وامرأة الراعى، وامرأة التاجر، والذئب والغزالة، إلى غير ذلك من قصص تعليمية أراد بها ابن الهبارية العظة والعبرة. غير أن هذا الصوت القصصى فى الديوان لا يلبث أن ينقطع، ويحل محله صوت آخر، ليس فيه شئ من القصص، إذ يتحول ابن الهبارية مربّيا يقدم النصائح فى السياسة ومعاملة الناس وفى الزهد وعلو الهمة والنهى عن الظلم والأمر بالعدل، وكأن ابن الهبارية نفسه فقد إيمانه بعمله القصصى الأدبى، ولعل ذلك ما جعل الأدباء بعده ينصرفون عن مجاراته فى هذا العمل الفنى، وكان حريا أن تأخذ القصص مجرى كبيرا فى الشعر العربى، غير أن النموذج الذى وضعه ابن الهبارية كان من الضعف-فى رأيى- بحيث لم يمهّد تمهيدا حسنا لهذا الاتجاه الكبير. ونراه يختم الديوان بقوله:
هذا كتاب حسن ... تحار فيه الفطن
أنفقت فيه مدّه ... عشر سنين عدّه
بيوته ألفان ... جميعها معانى
ولعل ابن الهبارية بالغ فى قصة السنوات العشر، ومع ذلك كله لابد أن نبقى له على