للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اليتيمة (١) للثعالبى، وفيه يقول: «من عجيب شأنه أنه كان أميا، وشعره كله ملح وتحف وغرر وطرف». وانتظامه فى اليتيمة يدل على أنه كان من شعراء القرن الرابع للهجرة.

وقد أشار إلى أميته فى بعض شعره قائلا لبعض خصومه:

بالغت فى شتمى وفى ذمّى ... وما خشيت الشاعر الأمّى

جرّبت فى نفسك سمّا فما ... أحمدت تجريبك للسّمّ

وكان يحفظ القرآن الكريم، فاقتبس من آياته مرارا وتكرارا، وكأنما جعل ذلك خاصة فنية له تميزه من نظرائه، كقوله متغزلا:

كأنّ يمينى حين حاولت بسطها ... لتوديع إلفى والهوى يذرف الدّمعا

يمين ابن عمران وقد حالت العصا ... وقد جعلت تلك العصا حيّة تسعى

وقائلة هل تملك الصبر بعدهم ... فقلت لها: لا (والذى أخرج المرعى)

وهو فى البيت الثانى يقتبس قوله تعالى فى سورة طه عن عصا موسى بن عمران عليه السلام حين ألقاها فحالت أو تحولت: «فإذا هى حية تسعى) واقتبس فى البيت الثالث آية سورة الأعلى: (والذى أخرج المرعى). ويقول الثعالبى إنه «كان يتشيع ويتمثل فى شعره بما يدل على مذهبه» وينشد طائفة من أشعاره الشيعية. ويلقانا فى الخريدة شاعر أمى ثان هو نباته (٢) الأعور الإبرى، وكان هجاء خبيث اللسان شغوفا بهجو أحد العلويين وفيه يقول:

شريف أصله أصل حميد ... ولكن فعله غير الحميد

ولم يخلقه ربّ العرش إلا ... لتنعطف القلوب على يزيد

وهو يريد يزيد بن معاوية عدو العلويين والشيعة. ويلقانا كثيرون من أصحاب الحرف يشغفون بالشعر ويصادف فيهم ملكات خصبة فيصبحون من شعرائه النابهين مثل السّرىّ الرّفاء الذى تقدمت ترجمته فى الفصل الماضى، ومثل الزاهى أبى القاسم على بن إسحق بن خلف البغدادى وكان قطّانا وكانت دكانه فى قطيعة الربيع، وقد عرضنا له بين شعراء التشيع فى الفصل الماضى، وأنشد له ابن خلكان البيتين التاليين المعروفين فى كتب البلاغة وفيهما يصف البنفسج (٣):

ولا زورديّة تزهو بزرقتها ... بين الرياض على زرق اليواقيت


(١) انظر ترجمة الخباز البلدى وأشعاره فى اليتيمة ٢/ ٢٠٨ وقد حقق شعره ونشره ببغداد صبيح رديف.
(٢) راجع ترجمة نباتة الأعور وأشعاره فى الخريدة (قسم الشام) ٢/ ٣٠٦.
(٣) ابن خلكان ٣/ ٣٧٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>