للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

محمرّ الدمع فى طلل ذاع منى فيه ما كنت أكتمه وأداريه، وقد فارقنى السلو وكان لا يبارحنى وقطّع البين والفراق منه كل ما كان متصلا ونثر منه كل ما كان منتظما والوجد آخذ بجسمى يبنى ويهدم مسببا لى التياعا شديدا لا أكاد أطيقه، ويستمر ابن معمر فى غزله:

يا من يلوم على ما جلّ من أسفى ... هذا اليسير من الأمر الذى كتما

ما خطّط النوم فى جفنىّ رسم كرى ... إلا محا السّهد ما قد خطّ أو رسما

أنبيكم أنّنى من يوم بينكم ... ما زلت للسّهد والتذكار ملتزما

أرتاح إن هبّ ريح من جنابكم ... أو لاح برق بذاك الأفق وابتسما

أما ومن قدّر الأشياء مقتدرا ... وحبّكم وكفى بالحبّ لى قسما

ما رام قلبى اصطبارا بعد بعدكم ... وما تأخّر بى من وجده قدما

وهو يقول لمن يلومه على ما يظهر من عظيم الوجد واللوعة إن ذلك بعض ما أكتمه من حرقة الحب، ويشكو من السّهد مفكرا فيمن يحبهن حتى يقول إن ما قد يخططه النوم فى جفنىّ من أثر للنعاس يمحو السهد خطوطه ورسومه محوا، فسهده وتذكاره لمن يحبهن يلازمانه وإنه ليشعر براحة ما مثلها راحة حين تهب ريح من جهتهن أو يلوح برق من أفقهن مبتسما وكأنما يحمل أثرا من ابتسامهن، ويقسم بربه المقتدر وبحبّه أن قلبه لم يحاول صبرا على فراقهنّ وبعدهن، ولا يزال يلتاع وجدا وهياما. والأبيات تسيل عذوبة مع ما تشفع به من التصاوير، مما يدل على قدرة ملكته الشعرية وأنها تواتيه بما يريد من الأخيلة ومن الألفاظ السهلة التى تبدو لسهولتها وقربها من اللغة المألوفة كأنها طوع اليد، وهى لا تطاوع إلا الشاعر الأصيل الذى يعرف كيف يؤثر فيك بتصاويره وبلغته السلسة، ومن رقيق غزلياته قوله:

آها نردّد لو تشفى لنا كربا ... وبالتّعلاّت نحيا لو قضت أربا (١)

وبالأمانى ينال القلب بغيته ... وقد تحقّق من معتادها كذبا

يرتاع إن لاح برق من جهامتها ... وما تراءى له إلا وقد ذهبا (٢)

يسرّ إن مدّ يوما حبل منيته ... وما تطاول إلا جذّ وانقضبا (٣)

إن عزّ ما يبتغيه فهو فى هرج ... ويختشى الفقد إن ما يبتغى قربا (٤)


(١) التعلات: ما يتعلّل به الشخص ويتلهّى. أربا: حاجة.
(٢) الجهامة: العبوس.
(٣) جذّ وانقضب: انقطع.
(٤) هرج: اختلاط.

<<  <  ج: ص:  >  >>