للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النور (١)، ويورد الجاحظ وابن قتيبة أسماء طائفة مشهورة من معلمى الكتاتيب (٢) من مثل أبى البيداء الرياحى اللغوى ومحمد بن السكن المحدث وأبى عبد الرحمن السلمى المقرئ وأبى صالح الإخبارى. وخصّ الجاحظ هؤلاء المعلمين برسالة ملأها بنوادرهم (٣)، مما كان سببا فى أن تدور شخصية معلم الكتّاب بين الشخصيات المضحكة فى الأدب العربى، وممن كثر التندير عليه فى هذا العصر منهم علقمة ابن أبى علقمة النحوى الذى كان يتقعّر فى كلامه مكثرا فيه من الغريب الشاذ وكان يعنى فى مكتبه بتعليم الناشئة العربية والنحو والعروض ومات فى خلافة المنصور (٤) وقد ألف بعض الأدباء رسالة تجمع نوادره (٥)

وكان للناشئة ألواح من الخشب العادى أو من الآبنوس يكتبون فيها دروسهم وكلما فرغوا من درس محوه منها وأثبتوا مكانه درسا آخر. وكان معلموهم يؤدبونهم بالجلد والضرب والحبس، وفى أخبار إبراهيم الموصلى أنه «أسلم إلى الكتّاب فكان لا يتعلّم شيئا، وكان لا يزال يضرب ويحبس ولا ينجع ذلك فيه، فهرب إلى الموصل وهناك تعلم الغناء» (٦) ويذكر الجاحظ أنه كان لأعشى بنى سليم ابن رآه مسنّا كان يدع الكتّاب ويلعب بالكلاب، فكتب أبوه إلى معلمه (٧):

ترك الصلاة لأكلب يلهو بها ... طلب الهراش مع الغواة الرّجس

فاذا خلوت فعضّه بملامة ... أو عظه موعظة الأديب الأكيس

وإذا هممت بضربه فبدرّة ... وإذا ضربت بها ثلاثا فاحبس

وكان هؤلاء المعلمون يتقاضون من الناشئة أجورا زهيدة، لا تتجاوز أحيانا بعض رغفان من الخبز كانت تختلف أحجامها وأنواعها باختلاف أحوال آبائهم غنى وفقرا، حتى لقد ضربت برغفان المعلم الأمثال على شدة الاختلاف والتفاوت.

وكان بجانب معلمى أولاد العامة فى الكتاتيب معلمون لأبناء الخاصة، كان منهم اللغوى والإخبارى والفقيه والمحدث والمقرئ، وكانوا أحسن حالا من معلمى


(١) البيان والتبيين ١/ ١٨١.
(٢) انظر البيان والتبيين ١/ ٢٥١ والمعارف لابن قتيبة (طبعة وستنفلد) ص ٢٧١.
(٣) انظر قطعا من هذه الرسالة بين رسائل الجاحظ المطبوعة على هامش الكامل للمبرد.
(٤) المعارف ص ٢٧٢.
(٥) الفهرست لابن النديم ص ٤٣٥.
(٦) أغانى (طبعة دار الكتب) ٥/ ١٥٧.
(٧) الحيوان ٢/ ٨٤ وانظر عيون الأخبار ٢/ ١٦٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>