للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أبناء العامة، على أن الجاحظ يقول فى جمهورهم: «يكون الرجل نحويّا عروضيّا وقسّاما فرضيّا وحسن الكتاب جيد الحساب حافظا للقرآن راوية للشعر وهو يرضى أن يعلم أولادنا بستين درهما» (١). وهذا إنما يصدق على من كان منهم يعلم أبناء الطبقة الوسطى، أما من كان يعلم أبناء الخلفاء والوزراء والبيت العباسى والقواد والسّراة فقد كانت تفرض لهم رواتب كبيرة، جعلتهم يعيشون فى خفض من العيش وسعة من الرزق، نذكر من بينهم المفضل الضبى معلم المهدى وله اختار مجموعته الشعرية الملقبة بالمفضليات، والكسائى معلم الرشيد وابنيه الأمين والمأمون، وقطرب مؤدب الأمين وأبناء أبى دلف العجلى قائد المأمون المشهور، وعلى بن المبارك الأحمر أحد مؤدبى الأمين ويقال إنه أعطاه يوما ثلاثمائة ألف درهم (٢)، ومنهم اليزيدى يحيى بن المبارك مؤدب أبناء يزيد بن المنصور الحميرى خال المهدى ومن أجل ذلك لقب باليزيدى، ومنهم الفراء معلم أبناء المأمون، وأبو عبيد القاسم بن سلام مؤدب أبناء هرثمة قائد الرشيد والمأمون.

وامتازت فى هذا العصر البصرة بسوق باديتها المعروف باسم المربد، وكان منهلا لشباب البصرة يغدون عليه ويروحون للقاء الفصحاء من الأعراب والتحدث إليهم تمرينا لألسنتهم وتربية لأذواقهم ومحاولة لاكتساب السليقة العربية المصفّاة من شوائب العجمة. وكانوا يكتبون ما يسمعونه منهم من طرائف الشعر، على نحو ما يحدثنا الرواة عن أبى نواس وأنه كان يغدو على المربد بألواحه للقاء الأعراب (٣).

وكان من شباب الشعراء من يرحل إلى البادية ليأخذ اللغة والشعر من ينابيعهما الأصيلة على نحو ما هو معروف عن بشار (٤).

وكانت المساجد ساحات العلم الكبرى، فلم تكن بيوتا للعبادة فحسب، بل كانت أيضا معاهد لتعليم الشباب حيث يتحلّقون حول الأساتذة، يكتبون ما يلقونه أو يملونه، وكان الأستاذ يستند عادة إلى أسطوانة فى المسجد، ثم يأخذ فى إلقاء محاضرته أو إملائها، وفى الحلقات الكبيرة كان يردّد مستمل كلامه حتى يسمعه ويكتبه البعيدون عنه فى الحلقة. وكان لكل فرع من المعرفة حلقته أو حلقاته


(١) البيان والتبيين ١/ ٤٠٣.
(٢) طبقات النحويين واللغويين للزبيدى (نشر الخانجى) ص ١٤٧.
(٣) الحيوان ٦/ ٢٣٩.
(٤) أغانى (طبع دار الكتب) ٣/ ١٥٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>