للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم اتجه بخطابه إلى عبيد الله فقال:

ولّيت شأنهم وكنت أميرهم ... فأضعتهم والحرب ذات توهّج

وتبيعهم فيها القفيز بدرهم ... فيظلّ جيشك بالملامة ينتجى (١)

ومنعتهم ألبانهم وشعيرهم ... وتجرت بالعنب الذى لم ينضج

ومات ابن أبى بكرة كما قدمنا، فولى سجستان ابن الأشعث، فسأله أن يزيد فى عطائه، فلم يلبّ سؤاله، فمضى يعاتبه فى قصيدة طويلة، يقول له فى تضاعيفها:

مالك لا تعطى وأنت امرؤ ... مثر من الطّارف والتّالد

تجبى سجستان وما حولها ... متّكئا فى عيشك الراغد

وتتطور الظروف، ويثور ابن الأشعث على الحجاج، فيضع الأعشى يده فى يده وكأنه صدر فى ثورته عن أمنيته، فقد وقف من قديم فى صفوف المعارضة الأموية، وقف كما قدمنا مع التوابين من الشيعة ثم وقف مع مصعب بن الزبير. وكان دائما لا يرضى عن ولاة بنى أمية، ويراهم ظالمين للرعية يسومونها العذاب على نحو ما رأينا فى هجائه لابن أبى بكرة. وهذا الحجّاج على العراق قد بغى وطغى، ولا يعرف أحد طغيانه وبغيه مثله، فقد أمره بالخروج فى بعوث الشرق، وخرج كارها مرغما، لا يعرف متى يأذن له فى العودة لتقرّ عينه بأهله وولده. لذلك حين أعلن ابن الأشعث الثورة على الحجاج لزمه ينظم الشعر محمّسا لجنده، فلما توجه مقبلا إلى العراق سار بين يديه على فرس وهو يقول:

إنا سفونا للكفور الفتّان ... حين طغى فى الكفر بعد الإيمان (٢)

بالسيد الغطريف عبد الرحمن ... سار بجمع كالدّبى من قحطان (٣)

أمكن ربّى من ثقيف همدان ... يوما إلى الليل يسلّ ما كان

إن ثقيفا منهم الكذّابان ... كذّابها الماضى وكذاب ثان


(١) ينتجى: يتسار، من النجوى وهى السر.
(٢) سفا: خف وأسرع.
(٣) الدبى: الجراد.

<<  <  ج: ص:  >  >>