للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أرى الشام تكره ملك العراق ... وأهل العراق لهم كارهونا

وقالوا علىّ إمام لنا ... فقلنا رضينا ابن هند رضينا

وردّ عليه بعض شعراء العراق، فقال ينقض ما زعمه، مشيرا إلى ما بين الطرفين من عداوات قديمة:

أتاكم علىّ بأهل العراق ... وأهل الحجاز فما تصنعونا

فإن يكره القوم ملك العراق ... فقدما رضينا الذى تكرهونا (١)

وتطورت الظروف وقتل على بعد التحكيم، وبايع الناس معاوية، ودخلت العراق فى طاعته وطاعة من خلفوه من الأمويين، ولكنها ظلت تعارضهم خفية، وكلما استطاعت أن تجهر بمعارضتها نهضت إلى ذلك تارة مع الخوارج، وتارة مع الشيعة، وتارة مع ابن الأشعث أو يزيد بن المهلب. وعارضهم الحجاز فى عهد يزيد بن معاوية وتجسمت معارضتها فى عبد الله بن الزبير.

وقد رأينا شعراء مختلفين يقفون فى هذه الصفوف المعارضة يناضلون عن نظرياتهم السياسية، وكان الأمويون يستظهرون عليهم بشعرائهم طوال العصر.

وكان أول ما استخدموا فيه هؤلاء الشعراء هجاء عبد الرحمن بن حسان والأنصار حين اشتبك مع يزيد بن معاوية، وفى رواية مع عبد الرحمن بن الحكم، فاستعان عليه يزيد بالأخطل النصرانى التغلبى، على نحو ما مر بنا فى غير هذا الموضع، ومنذ هذا التاريخ أصبح الأخطل شاعرا أمويّا يناضل عن السياسة الأموية. ويحاول معاوية أن يجعل الخلافة وراثية فى بيته، وأن يأخذ البيعة لابنه يزيد فى حياته. وكان ذلك فى رأى كثيرين بدعة منكرة، إذ تخرج الخلافة به عن الشورى وتصبح إرثا من الأب لابنه، على نحو ما هو معروف عند الروم وما كان معروفا عند الفرس، وعرف معاوية نفور المسلمين من ذلك، فدفع بعض الخطباء إلى الدعوة لفكرته، كما دفع بعض الشعراء، وكان أسرع من لبّاه منهم مسكين الدارمى فأنشأ يقول فى كلمة له (٢):


(١) انظر الأخبار الطوال للدينورى (طبع ليدن) ص ١٧٠.
(٢) الأغانى (ساسى) ١٨/ ٧١.

<<  <  ج: ص:  >  >>