للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الزيرى الصنهاجى أمير غرناطة، وأرسل إليها جيشا بقيادة المعتمد فاستولى عليها سريعا، وغرّه ذلك فأفضى إلى لهوه وخمره، وأرسل باديس إليه جيشا باغته وتشتت جيشه وعاد إلى إشبيلية مدحورا. وتوفى المعتضد سنة ٤٦١ فأمسك المعتمد بزمام الحكم، وجاءه ابن عمار فاستوزره واستطاع الاستيلاء على قرطبة فى العام التالى لحكمه. وأخذ يكثر مع ابن عمار من مجالس الأنس ولياليه، كما أخذ يكثر من الإغداق على الشعراء فاجتمع ببابه منهم كثيرون عنى ابن بسام فى الذخيرة بالترجمة لغير شاعر منهم. وبينما كان يغاور جيرانه من أمراء الطوائف المسلمين أبناء دينه كان يسالم ألفونس السادس ملك قشتالة ويؤدى إليه الجزية صاغرا كل عام، وحاول ألفونس أن يسلبه بعض ممتلكاته. وكان ضغط النصارى يشتد أيضا على المتوكل صاحب بطليوس فى الغرب وعلى أمير غرناطة عبد الله بن بلقين، فأجمع أمرهم-مع الفقهاء-على استدعاء يوسف بن تاشفين أمير المرابطين، ولبّاهم وكتب لهم معه النصر المؤزر فى الزلاقة، وعاد يوسف إلى بلاده، وعاد المعتمد وغيره من أمراء الطوائف إلى اللهو والقصف والانغماس فى اللذات، فاستغاث الفقهاء وأهل الأندلس بابن تاشفين ثانية كى يخلص الأندلس من حكم هؤلاء الأمراء الذين مزّقوها فى يد كل منهم مزقة مع ما يستنزفونه من طيباتها فى الخمر والمجون. وعبر يوسف الزقاق، واستسلم سريعا أمير غرناطة، أما المعتمد فأبى الاستسلام وطلب من ألفونس السادس المهزوم فى الزلاقة النجدة ضد ابن تاشفين والمرابطين. وكان ذلك جرما فظيعا وخطئا كبيرا لا يحق له بعده أن يظل أميرا فى موطنه، وقاوم ولم تنفعه مقاومته فاستسلم، وأمر ابن تاشفين بنفيه مع أهله إلى المغرب، فنقلوا بالسفن من إشبيلية إلى طنجة، ومنها إلى مدينة مكناس، وأخيرا إلى أغمات بالقرب من مدينة مراكش، وظل بها مع أسرته، وفيها توفيت زوجته اعتماد الرميكية، ولم يلبث أن توفى سنة ٤٨٨ للهجرة بعد نحو أربع سنوات قضاها فى منفاه. وطبيعى لشاعر مثله أن يبكى إمارته ودولته وما كان فيه من عز وسلطان وأبهة وحياة مرفهة، واسمه ملء الآذان فى الأندلس، والشعراء يغدون عليه ويروحون بفرائد من أمداحهم، وهو يسبغ عليهم عطايا كأنها سحب غدقة منهلّة.

وكل ذلك امّحى وزال، وكأنه كان حلما واستيقظ منه على اليأس والبؤس، ويبكى ويظل يبكى ويذرف الدمع مدرارا، منشدا:

غريب بأرض المغربين أسير ... سيبكى عليه منبر وسرير

وتندبه البيض الصّوارم والقنا ... وينهلّ دمع بينهنّ غزير

فياليت شعرى هل أبيتنّ ليلة ... أمامى وخلفى روضة وغدير

<<  <  ج: ص:  >  >>