للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأهان صالح ماله لفقيرها ... وأسى وأصلح بينها وسعى لها (١)

فترى له ضرّا على أعدائه ... وترى لنعمته على من نالها

أثرا من الخير المزيّن أهله ... كالغيث صاب ببلدة فأسالها (٢)

وإذا تجئ كتيبة ملمومة ... خرساء يخشى الدّارعون نزالها (٣)

كنت المقدّم غير لابس جنّة ... بالسيف تضرب معلما أبطالها (٤)

وعلمت أن النفس تلقى حتفها ... ما كان خالقها المليك قضى لها

فإنك تحس فيه روح العصر العباسى، لا من حيث سهولة اللفظ فحسب، ولا من حيث المقابلة بين المعانى فحسب، بل من حيث ما يجرى فى ذلك من أثر رقة الذوق بتأثير الحضارة، وهى رقة دفعته إلى الغلو فى وصف شجاعة ممدوحه، فإذا هو لجرأته وبسالته يقتحم ميادين الحرب غير لابس ترس يحميه، وبيده سيفه يضرب به فى الأقران تاركا فيهم آثاره. وقد آمن بينه وبين نفسه بأن الإنسان لا بد أن سيموت، فلا داعى للخوف، فلكل امرئ أجل مضروب. لا يتأخر عنه ولا يتقدم. واقرأ له هذه القطعة فى مديحه لهوذة بن على سيد بنى حنيفة:

إلى هوذة الوهّاب أهديت مدحتى ... أرجّى نوالا فاضلا من عطائكا

سمعت برحب الباع والجود والنّدى ... فأدليت دلوى فاستقت برشائكا (٥)

فتى يحمل الأعباء لو كان غيره ... من الناس لم ينهض بها متماسكا

وأنت الذى عوّدتنى أن تريشنى ... وأنت الذى آويتنى فى ظلالكا (٦)

وإنك فيما نابنى بى موزع ... بخير وإنى مولع بثنائكا (٧)


(١) أسى: داوى.
(٢) صاب المطر: سقط وانصب.
(٣) ملمومة: مجتمعة. خرساء: لا يسمع لها صوت من كثرة الدروع أى ليس لها قعقعة.
(٤) الجنة: الترس.
(٥) الباع: الكرم وكذلك الندى. الرشاء: حبل الدلو.
(٦) تريشنى: تعيننى وتغنينى.
(٧) هكذا رواية البيت فى المخطوطة اليمنية وهو مضطرب فى الديوان. موزع: مولع.

<<  <  ج: ص:  >  >>