للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مثالية وأناشيد حربية حماسية. وشعراء مصر منذ نشط فيها الشعر يشاركون فى المجموعتين، يشارك فيهما الأمراء وأبناء الشعب، من ذلك قول العباس بن أحمد بن طولون مؤسس الدولة الطولونية (١):

لله درّى إذ أعدو على فرسى ... إلى الهياج ونار الحرب تستعر

وفى يدى صارم أفرى الرءوس به ... فى حدّه الموت لا يبقى ولا يذر

والبيتان من قصيدة حماسية ملتهبة، ومعروف أنه أخطأ فى هذه الحماسة وما اقترن بها من شجاعة، إذ وجّهها إلى أبيه ثائرا عليه. وأخفقت ثورته. وينزل مصر فى أيام كافور الإخشيدى المتنبى، وتستدير حوله ندوة كبيرة تروى شعره وتتدارسه وكلّ ما فيه من فخر مضطرم وحماسة ملتهبة. وتستقبل مصر الدولة الفاطمية ويدخلها المعز الفاطمى، ومعه ابنه الشاعر النابه تميم، وله فخر كثير، وسنفرد له ترجمة عما قليل، ونلتقى بعده بولى الدولة بن خيران صاحب ديوان الإنشاء بمصر فى عهد الظاهر والمستنصر المتوفى سنة ٤٣١ ونراه يبدئ ويعيد فى الفخر بشعره وكتاباته من مثل قوله (٢):

ولقد سموت على الأنام بخاطر ... الله أجرى منه بحرا زاخرا

فإذا نظمت نظمت روضا حاليا ... وإذا نثرت نثرت درّا فاخرا

فهو يفتخر بخواطره الغزيره التى تنسكب من ذهن كأنه بحر زاخر، وهو يهدى منها إلى الناس والآفاق أشعارا رائعة ورسائل بديعة. ونلتقى بغير شاعر فاطمى يفخر بنفسه فخرا حماسيا ملتهبا على شاكلة قول الحسن بن زيد الأنصارى (٣):

منال الثّريّا دون ما أنا طالب ... فلا لوم إن عاصت علىّ المطالب

وإنى وإن لم يسمح الدهر بالمنى ... فلى فى كفالات الرماح مآرب

تقرّب لى مستبعدات مطالبى ... جيادى وعزمى والقنا والقواضب

فما يطلبه ويتمناه فوق الثريا فى أعلى عليين من السموات، وطبيعى أن لا تناله يده أحيانا، ومع ذلك هو لا ييأس أن ينال من الدهر مطالبه ومآربه بفضل رماحه وجياده وسيوفه القواضب


(١) النجوم الزاهرة ٣/ ٢١.
(٢) معجم الأدباء ٤/ ٨.
(٣) الخريدة (قسم شعراء مصر) ٢/ ٦٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>