للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأرض. وإنما نرجح أنه كان صوفيا لأن مترجمى أبى مدين الصوفى المشهور يقولون إنه سلك الطريقة الصوفية على شيخ المشايخ أبى يعزى إلى أن وصل وحقق وأدرك، ومن الصوفيين المشهورين فى عصر المرينيين الشيخ زرّوق (١) المتوفى سنة ٨٦٩ هـ‍/١٤٦٤ م وله نحو عشرين مؤلفا فى التصوف منها قواعد التصوف وعدة المريد وعلى شاكلته أحمد الصومعى فى عصر السعديين وله فى أبى يعزى كتاب بعنوان: المعزا فى مناقب الشيخ أبى يعزى وعدة مؤلفات أخرى فى التصوف.

ونحن لا نصل إلى القرن التاسع الهجرى فى التصوف حتى يصيبه فى المغرب الأقصى ما أصابه فى البلاد الإسلامية الأخرى من كثرة المدّعين الجهلاء له، وزعمهم أنه لا يحتاج إلى دراسة إذ تكفى فيه المعرفة الروحية الربانية، وتخلى كثيرون منهم عن فروض الإسلام ونوافله، فحسبهم العبارات والشعائر التى يأخذونها عن شيوخهم، وأباحوا لأنفسهم كل المتع مقيمين لأنفسهم حفلات ذكر يتواجدون فيها وقد يشقّون ثيابهم ويمزقونها بتأثير ما يسمعون من أغان على الذكر تصور الوجد الملتاع. وكان الناس يكبرونهم إذ يزعمون لهم أن بينهم القطب الذى اختاره الله، كما يزعمون أن بينهم أربعين واصلين مثله يسمونهم الأوتاد، وإذا مات القطب حل أحد الأوتاد محله. ومما زاد فى خروج الصوفية عن الجادّة وتجاوزهم لحدود الشرع انتشار مذهب الملامتيّة (٢) الإيرانى بينهم وهو مذهب كان معتنقوه يصنعون كل ما يوجب اللوم لهم مما يعد محرما ومخجلا لأقصى درجة، إذ يرون أن يشتهروا بين الناس أنهم لا يؤدون شعائر الدين وفروضه، وإن أدوها فعلا، كما يريدون أن يقنعوهم بأنهم لا يتمسكون بنواهيه، حتى يذمهم الناس أشنع ذم، وحتى يحتقروهم إلى أقصى حد، وهم بذلك ملامتية أى أهل الملامة، تأخذ بهم من كل وجه، ولذلك حاربت الدولة العثمانية هذه الجماعة بالجزائر فى عهد الدولة السعدية أشد حرب حتى كادوا يقضون عليها. وللمنصور الذهبى رسالة إلى السلطان مراد خان العثمانى يهنئه بالقضاء على تلك الفئة، وحاربها هو فى المغرب الأقصى ومن خلفوه من السعديين ولكن يظهر أنهم لم يستطيعوا القضاء عليها قضاء مبرما.

على كل حال كان انتشار مذهب الملامتية فى المغرب الأقصى من أسباب انحراف التصوف والصوفية، مما جعل كثيرين من العلماء يذمون ما آل إليه من تخطى الشريعة والخلق الحميد، ويدعون إلى محاربة البدع التى شاعت فيه، ويدعو إلى ذلك بعض الصوفية والنساك المتمسكين بأوامر الدين ونواهيه مثل الهبطى الطنجى المار ذكره فإن له ألفية بناها على النصح والإرشاد وحمل فيها حملة شديدة على متصوفة عصره وما يرتكبون من المنكرات.


(١) راجع فى الشيخ زروق كتاب النبوغ المغربى ص ٢١٧، ٢٢٨.
(٢) انظر فى الملامتية كتاب الوافى بالأدب العربى فى المغرب الأقصى ٣/ ٦٩٠ وما بعدها وراجع تاريخ الأدب العربى فى إيران بالجزء الخامس من هذه السلسلة ص ٥١٧. .

<<  <  ج: ص:  >  >>