للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويقال إن مؤسسها هو الحارث بن أسد المحاسبى البغدادى المتوفى سنة ٢٤٣ هـ‍/٨٥٧ م ويقال بل مؤسسها الذى أودع فيها فكرة الحب الإلهى ذو النون المصرى المتوفى سنة ٢٤٥ هـ‍/٨٥٩ م. ولم يلبث أن ظهر الحلاج فى مطلع القرن الرابع الهجرى وظهر معه التصوف الفلسفى وكل ما يتصل به من أفكار الحلول والاتحاد مع الله، وتظل أفكاره تشيع بين المتصوفة وتكون سببا فى القطيعة بين الفقهاء والمتصوفة إذ يرمونهم بالكفر إلى أن ظهر القشيرى والغزالى فى القرن الخامس الهجرى، وأصلحا ما بين الفئتين، وانقسم التصوف منذ هذا التاريخ إلى تصوف فلسفى به إشعاعات من أفكار الحلاج، وتصوف سنى أخذت تتكون فيه وتشيع طرق صوفية سنية مثل طريقة عبد القادر الجيلانى وأحمد الرفاعى. وأخذت الأندلس تتأثر بالتصوف على نحو ما هو معروف عن ابن مسرة، وبعده عند ابن برجان وابن العريف، ثم عند الشوذى وابن عربى وابن سبعين والششترى على ما نحو ما أوضحنا ذلك فى كتابنا عن الأندلس. أما المغرب الأقصى فإنما شاع فيه التصوف السنى وما يمثله من مثل طريقة أبى الحسن الشاذلى.

وأول ذكر لمتصوفة المغرب نجده عند بعض من ترجموا لنساكه، وكان جمهورهم-فى رأيى-نساكا يقصرون حياتهم على النسك والعبادة، ومنهم كما جاء فى كتاب النبوغ المغربى ابن حرزهم على بن إسماعيل المذكور بين الزهاد. وقد تعلم على يديه أبو مدين الصوفى المشهور وقرأ عليه كتاب الرعاية للمحاسبى. ونظن أنه كان عابدا ناسكا فحسب، إذ يقول مترجمو أبى مدين أنه أخذ التصوف عن أبى عبد الله الدقاق الصوفى لا عنه. ومنهم أبو العباس السبتى المتوفى سنة ٦٠١ هـ‍/١٢٠٤ م، وكان لا يترك لنفسه شيئا إلا قدر ما يقوته هو وأسرته فى يومه والباقى يتصدق به، وكان ناسكا ورده القرآن يتلوه آناء الليل وأطراف النهار، وكان بارّا باليتامى والمساكين. وهى حياة زاهد فى رأيى لا صوفى. ومثله عبد السلام بن مشيش الحسنى وكان تقيا صالحا عالما، وسأله سائل عن أوراد يعمل بها ظانا أن له وردا مثل الصوفية، فقال مستنكرا أرسول أنا؟ الفرائض مشهورة، والمحرمات معلومة، فكن للفرائض حافظا وللمعاصى رافضا واحفظ نفسك من ابتغاء الدنيا وحب النساء وحب الجاه وإيثار الشهوات واقنع بما قسم الله لك، وهى إجابة زاهد لا صوفى، وإن كان قد درس على يديه الشاذلى صاحب الطريقة الصوفية المشهورة. ومثله أبو الحسن المسفّر معاصره وإن كان قد ذكر ابن عربى أنه لقيه فى كتابه «محاضرات الأبرار» لأن مجرد لقاء ابن عربى له لا يدل حتما على أنه صوفى، إنما هو ناسك. وربما كان الصوفى الحقيقى فى عصر الموحدين يلنور بن ميمون أبو يعزى (١) المتوفى سنة ٥٧٢ هـ‍/١١٧٦ م عن مائة وثلاثين سنة، أمضى منها عشرين سنة سائحا فى الجبال بمنطقة مراكش، ثم رحل إلى ساحل المحيط فأقام به ثمانى عشرة سنة لا يأكل إلا من نبات


(١) انظر فى أبى يعزى روض القرطاس ص ٢٦٧ وجذوة الاقتباس لابن القاضى ص ٣٥٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>