للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والبحر المتوسط، ووضع لحكم البلاد نظاما إداريا حضاريا، إذ اتخذ لها مجلس وزراء على نحو ما نعرف الآن من مجالس الوزراء فى الأمم المتحضرة، وأضاف إليه هيئات-باسم خطط-للإشراف على مصالح الرعية. وبلغت الأندلس الذروة فى المكانة السياسية والحضارية لعهد عبد الرحمن الناصر الذى فرض سلطانه على المسيحيين فى الشمال.

وما يلبث عهد الدولة الأموية أن ينتهى بفتنة كبرى ظلت نحو عشرين عاما. وينشأ عصر أمراء الطوائف، وفيه تنقسم الأندلس إلى أندلسات، وبعبارة أخرى إلى إمارات كثيرة، ويتنافس الأمراء فى الإكثار مما يحيط بهم من شعراء وعلماء وكتّاب، وتنفق سوق الأدب والعلم، وتهبط كفّة الحكم والسياسة إلى أدنى مستوى، إذ يعيش الأمراء للترف واللهو وكل فنونه، ويتناحرون فيما بينهم، على حين يركعون-خانعين-للمسيحيين الشماليين، مما جعل ألفونس السادس ملك قشتالة ينقض على طليطلة واسطة عقد الأندلس سنة ٤٧٨ للهجرة ويستولى عليها، حتى إذا لم يبق منزع فى قوس الصبر لا للفقهاء ولا للرعية ولا للأمراء اللاهين استصرخوا جميعا يوسف بن تاشفين أمير المرابطين فى المغرب، فعبر إلى الأندلس سنة ٤٧٩ وسحق جموع ألفونس السادس فى الزلاقة سحقا ذريعا، وتطورت الأمور سريعا، وأظل لواء المرابطين الأندلس جميعا.

وتضعف دولتهم بعد نحو نصف قرن ونيّف، وتعود الأندلس فى بعض أجزائها إلى التفكك، وتتداركها دولة الموحدين، وتظل تحميها إلى أوائل العقد الثالث فى القرن السابع الهجرى، ومن مفاخرهم تدمير أميرهم يعقوب الموحدى لجيش ألفونس الثامن فى موقعة الأرك سنة ٥٩١. وتعود الأندلس منذ سنة ٦٢٣ إلى التفكك، وتقع كثرة من مدنها العريقة فى حجور المسيحيين الشماليين، ويستطيع ابن الأحمر سليل سعد بن عبادة الصحابى الجليل أن يستنقذ إمارة غرناطة له ولأسرته لأكثر من قرنين ونصف إلى أن سلّم أبو عبد الله الصغير مفاتيح المدينة لفرناند وزوجته إيزابيلا سنة ٨٩٧ للهجرة.

وذكرنا ما تم فى المجتمع الأندلسى من مزج سريع بين المسلمين من العرب والبربر وبين المسيحيين ومن دخلوا فى الإسلام منهم وأبنائهم، وكانت حياة المسيحيين حياة متبدية بها غير قليل من الشظف، بينما أخذ المسلمون الأندلسيون يتحولون إلى حياة حضارية، وخاصة منذ عهد عبد الرحمن الأوسط لشغفه بحضارة العرب المادية فى المشرق مما جعل التجار يحملون إليه كثيرا من أدواتها، وساعد على اكتمال الحضارة الأندلسية فى عهده وفود زرياب تلميذ إسحق الموصلى-أكبر الموسيقيين فى عهد الرشيد-على قرطبة، ومكّن له عبد الرحمن-إلى أقصى حد-من إحداث نهضة موسيقية فى الأندلس بإنشائه

<<  <  ج: ص:  >  >>