فى القرنين السادس والسابع الهجريين كما يحدثنا عن ذلك الإدريسى والتجانى فى رحلته، وإن كان من المؤكد أنه أصابها حينئذ غير قليل من التحريف بسبب اختلاط المتكلمين بها بسكان تلك المنطقة البربرية ولغتها.
وعلى الرغم من القرون المتطاولة التى عاشت فيها اللغة الفينيقية المتحضرة بالإقليم التونسى والقرون الأخرى التى عاشت فيها اللاتينية المتحضرة بهذا الإقليم وأتقنها كثير من البربر تكلما وكتابة على الرغم من ذلك لم تتحوّل اللغة البربرية-لا فى تونس ولا فى أى إقليم آخر-إلى لغة متحضرة أيام الفينيقيين بحيث أصبح لها حروف استحدثها البربر يكتبونها بها، ومن ثمّ لم يتركوا قبل الإسلام أى أثر كتابى بلغتهم البربرية يمكن منه التعرف الدقيق على تاريخهم القديم، وقد رجع العرب فى معرفته إلى الكتب والكتابات اللاتينية، ومما يؤكد ذلك أننا نجد يامبسال ملك نوميديا البربرى أيام الفينيقيين يحرر كتبه باللغة الفينيقية لغة قرطاجة، كما نجد بين ملوكها أيام الرومان من يحرر كتبه باللاتينية أو الإغريقية، فلم تكن البربرية-قبل الفتح العربى الإسلامى-إذن لغة حضارية وكان كثيرون من البربر يعرفون اللاتينية كما أسلفنا وقد أخذت اللغتان تزايل ألسنة أهلهما وتحل محلهما العربية فى تونس وغير تونس من أقاليم المغرب مع اعتناق السكان الإسلام واختلاطهم بالعرب عن طريق المصاهرة والمعايشة معهم، وخاصة فى المدن التى نزلوها، إذ كان سكانها-لذلك-أسرع فى التعرب من سكان القرى الريفية والجبال والنجاد والبوادى، وكانوا يعدون فى الإقليم التونسى وغيره بالآلاف، وقد بلغ عدد الجنود الفاتحين فى عهد الأمويين وأوائل عهد العباسيين نحو مائة وخمسين ألفا سوى من كان يرافقهم من النساء والأطفال، ومما يذكر-بالثناء الجم-للفاتحين فى العهود الإسلامية الأولى أنهم لم يكونوا غزاة يجمعون غنائم الفتوح، كما يحاول المستشرقون أن ينعتوهم، بل كانوا ناشرين للدين الحنيف، وتسلّل منهم-كثيرون من مدن الإقليم التونسى وغيره من الأقاليم المغربية-إلى القرى والجبال والبوادى يدعون إلى دين الله بحمية وحماسة بالغة.
وقد جعلت تعاليم الدين الحنيف السامية وما يدعو من إخاء وتسامح ومعاملة حسنة شعوب البربر تقبل عليه، وخاصة بعد ما رأوه يرفع عن كواهلهم ظلم الأمم السالفة التى كانت تعتصر لنفسها خيرات بلادهم وترهقهم بالضرائب الفادحة، مما دفع البربر-وخاصة فى المدن-إلى الدخول فى الدين الحنيف ومرّ بنا أن قبيلة بربرية-هى قبيلة أوربة-اعتنقت الإسلام فى عهد عقبة بن نافع حوالى سنة ٦٠ للهجرة. وكان البربر الذين أسلموا يقبلون على حفظ كثير من آى الذكر الحكيم واستظهار بعض الأحاديث النبوية، وكانوا يتلقّنون ذلك فى كتاتيب أخذت تنشأ سريعا فى المدن وبعض القرى الكبيرة، كما كانوا يتلقّنونه فى حلقات كثيرين ممن